للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقةً بلا واسطةٍ= فحظُّ المؤمن منه في هذه الدّار الإيمانُ وعلم اليقين. وحقُّ اليقين يتأخّر إلى وقت اللِّقاء.

ولكن لمّا كان السّالك عنده ينتهي إلى الفناء، ويتحقَّق شهودَ الحقيقة، ويصل إلى عين الجمع، قال: «حقُّ اليقين هو إسفار صبح الكشف».

يعني: تحقُّقه وثبوته، وغلبة نوره على ظلمة ليل الحجاب, فينتقل من طور العلم إلى الاستغراق في الشُّهود بالفناء عن الرّسم بالكلِّيّة.

وقوله: «ثمّ الخلاص من كُلفة اليقين».

يعني: أنّ اليقين له حقوقٌ يجب على صاحبه أن يؤدِّيها ويقوم بها، ويتحمّل كُلَفَها ومشاقَّها. فإذا فني في التّوحيد حصلَ له أمورٌ أخرى رفيعةٌ عاليةٌ جدًّا، يصير فيها محمولًا بعدَ أن كان حاملًا، وطائرًا بعد أن كان سائرًا، فيزول عنه كلفةُ حملِ تلك الحقوق. بل يبقى له كالنّفس، وكالماء للسّمك. وهذا أمرٌ التّحاكمُ (١) فيه إلى الذّوق والإحساس، فلا تُسرِعْ إلى إنكاره.

وتأمّلْ حالَ ذلك الصّحابيِّ الذي أخذ تمراتِه، وقعد يأكلها على حاجةٍ وجوعٍ وفاقةٍ إليها، فلمّا عاينَ سوقَ الشّهادة قد قامت ألقى قُوتَه من يده، وقال: إنّها لحياةٌ طويلةٌ، إن بقيتُ حتّى آكلَ هذه التّمرات! وألقاها من يده، وقاتل حتّى قُتِل (٢). وكذلك أحوال الصّحابة - رضي الله عنهم - كانت مطابقةً لما أشار إليه.


(١) ش، د: «من التحاكم».
(٢) أخرجه مسلم (١٩٠١) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. والصحابي هو عمير بن الحمام الذي استشهد في بدر، فكان أول قتيل قُتل في سبيل الله في الحرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>