للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نسيتَ ذكرك في ذكرك، ثمّ نسيتَ في ذكرِ الحقِّ إيّاك كلَّ ذكرٍ).

ليته ــ قدّس الله روحه ــ لم يقل «يعني»، فلا والله ما عنى الله هذا المعنى، ولا هو مراد الآية ولا تفسيرها عند أحدٍ من السّلف ولا الخلف.

وتفسير الآية عند جماعة المفسِّرين (١): أنّك لا تقل لشيءٍ: أفعلُ كذا وكذا، حتّى تقول: إن شاء الله. فإذا نسيتَ أن تقولها فقلْها متى ذكرتها. وهذا هو الاستثناء المتراخي الذي جوَّزه ابن عبّاسٍ وتأوّل عليه الآية (٢)، وهو الصّواب.

فغلِطَ عليه من لم يفهم كلامه ونقل عنه أنّ الرّجل إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ ثلاثًا، أو قال: نسائي الأربع طوالق، ثمّ بعد سنةٍ يقول: إلّا واحدةً، أو: إلّا زينب= أنّ هذا الاستثناء ينفعه (٣).

وقد صان الله عن هذا من هو دون غلمان ابن عبّاسٍ بكثيرٍ، فضلًا عن البحر حبر الأمّة وعالمها الذي فقَّهه الله في الدِّين وعلّمه التّأويل. وما أكثرَ ما ينقل النّاس المذاهبَ الباطلة عن العلماء بالأفهام القاصرة! ولو ذهبنا نذكر ذلك لطال جدًّا، وإن ساعد الله أفردنا له كتابًا.


(١) انظر: «تفسير الطبري» (١٥/ ٢٢٥)، و «زاد المسير» (٥/ ١٢٨)، و «تفسير القرطبي» (١٠/ ٣٨٥) وغيرها.
(٢) أخرجه الطبري (١٥/ ٢٢٥)، والطبراني في «الكبير» (١١٠٦٩) و «الأوسط» (١١٩)، والحاكم في «المستدرك» (٤/ ٣٠٣)، وانظر: «الدر المنثور» (٩/ ٥١٦).
(٣) انظر كلام المؤلف في «أعلام الموقعين» (٤/ ٥١٥)، و «شفاء العليل» (ص ٨٧) ط. دار الكتب العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>