للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي هو الذي وحَّد نفسَه في الحقيقة، فتوحيدُ العبدِ منسوبٌ إليه حقيقةً، ونسبته إلى العبد غير حقيقيّةٍ (١)، إذ ذلك لم يكن به ولا منه، وإنّما هو مجعولٌ فيه. فإن سُمِّي موحِّدًا ذاكرًا فلكونه مجرًى ومحلًّا لما أُجرِي فيه، كما يُسمّى أبيض وأسود وطويلًا وقصيرًا لكونه محلًّا لهذه الصِّفات، لا صُنْعَ له فيها، ولم تُوجِبها مشيئتُه ولا حولُه ولا قوّتُه. هذا مع ما يتّصل بذلك من استيلاء القرب، والفناء عن الرّسم، والغيبة بالمشهود عن الشُّهود، وقوّة الوارد، فيتركّب من ذلك ذوقٌ خاصٌّ: أنّه ما وحَّد اللهَ إلّا اللهُ، وما ذكر اللهَ إلّا اللهُ، وما أحبَّ اللهَ إلّا اللهُ.

فهذا حقيقة ما عند القوم، فالعارفون منهم أرباب البصائر أَعطَوا مع ذلك العبوديّةَ حقَّها والعلمَ حقَّه، وعرفوا (٢) أنّ العبد عبدٌ حقيقةً من كلِّ وجهٍ، والرّبّ ربٌّ حقيقةً من كلِّ وجهٍ، وقاموا (٣) بحقِّ العبوديّة بالله لا بأنفسهم، ولله لا لحظوظهم، وفَنُوا بمشاهدة معاني أسمائه وصفاته عمّا سواه، وبما له محبّةً ورضًا عمّا به كونًا ومشيئةً، فإنّ الكون كلّه به (٤)، والّذي له هو محبوبه ومرضيُّه، فهو له وبه، والمنحرفون فَنُوا بما به عمّا له، فوالَوا أعداءه، وعطَّلُوا دينَه، وسَوَّوا بين مَحابِّه ومساخطِه، ومواقعِ رضاه وغضبِه. والله المستعان.

قوله: (والتّخلُّص من شهود ذكرك).


(١) ش، د: «حقيقة».
(٢) ل: «وعلموا».
(٣) ل: «أقاموا».
(٤) ش، د: «بيده».

<<  <  ج: ص:  >  >>