في البقاء من التّفصيل (١) والمعارف، وشهودِ الحقائق على ما هي عليه، والتّمييزِ بين الرّبِّ والعبد، وما قام بالعبد وما قام بالرّبِّ سبحانه وتعالى، وشهود العبوديّة والمعبود. وليس في الفناء شيءٌ من ذلك، والفناء كاسمه الفناء، والبقاء بقاءٌ كاسمه. والفناء مطلوبٌ لغيره، والبقاء مطلوبٌ لنفسه. والفناء وصف العبد، والبقاء وصف الرّبِّ. والفناء عدمٌ، والبقاء وجودٌ. والفناء نفيٌ، والبقاء إثباتٌ.
والسُّلوك على درب الفناء مُخطِرٌ، وكم به من مَفازةٍ ومَهلكةٍ. والسُّلوك على دَرْب البقاء آمنٌ; فإنّه دَرْبٌ عليه الأعلامُ والهُداةُ والأدلة والخَفَر، ولكنّ أصحاب الفناء يزعمون أنّه طويلٌ، ولا يشكُّون في سلامته وإيصاله إلى المطلوب، ويزعمون أنّ درب الفناء أقرب، وراكبه طائرٌ، وراكبُ درْبِ البقاء سائرٌ. والكُمَّل من السّائرين يرون الفناء منزلةً من منازل الطّريق، وليس نزولها عامًّا لكلِّ سائرٍ، بل منهم من لا يراها ولا يمرُّ بها، وأنَّ الدّرب الأعظم والطّريق الأقوم هو درب البقاء، ويحتجُّون على صاحب الفناء بالانتقال إليه من الفناء، وإلّا فهو عندهم على خطرٍ. والله المستعان.