الأحوال. ومطالعةُ المقامات دَنَسٌ عند هذه الطّائفة، فمطالعةُ الفضل يُمحِّص من هذا الدّنس.
والفرق بين الحال والمقام: أنّ الحال معنًى يَرِد على القلب من غير اجتلابٍ له ولا اكتسابٍ ولا تعمُّدٍ. والمقام يُتوصَّل إليه بنوع كسبٍ وطلبٍ.
فالأحوال عندهم مواهبُ، والمقامات مكاسبُ. فالمقام يحصل ببذل المجهود, وأمّا الحال فمن عين الجود.
ولمّا دخل الواسطيُّ نيسابور سأل أصحاب أبي عثمان - رحمه الله -: بماذا كان يأمركم شيخكم؟ فقالوا: كان يأمرنا بالتزام الطّاعات، ورؤيةِ التّقصير فيها. فقال: أمركم بالمجوسيّة المحضة. هلّا أمركم بالغَيْبة عنها برؤية مُنشئِها ومُجرِيها؟
قلت: لم يأمرهم أبو عثمان - رحمه الله - إلّا بالحنيفيّة المحضة، وهي القيام بالأمر ومطالعة التّقصير فيه. وليس في هذا من رائحة المجوسيّة شيءٌ، فإنّه إذا بذل الطّاعة لله وبالله صانَه ذلك عن الاتِّحاد والشِّرك، وإذا شهد تقصيره فيها صانَه عن الإعجاب، فيكون قائمًا بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وأمّا ما أشار إليه الواسطيُّ - رحمه الله -: فمشهد الفناء. ولا ريبَ أنّ مشهد (١) البقاء أكمل منه، فإنّ من غاب عن طاعاته لم يشهد تقصيرَه فيها، ومن تمام العبوديّة شهودُ التّقصير. فمشهد أبي عثمان - رحمه الله - أتمُّ من مشهد الواسطيِّ.
وأبو عثمان هذا هو سعيد بن إسماعيل النّيسابوريُّ من جلّة شيوخ القوم وعارفيهم. وكان يقال: في الدُّنيا ثلاثةٌ، لا رابعَ لهم: أبو عثمان بنيسابور، والجنيد