يريد بمراعاتها حفظَها وصونَها، غيرةً عليها أن تحول، فإنّها تمرُّ مرَّ السّحاب، فإن لم يَرْعَ حقوقَها حالت. ومراعاتها: بدوام الوفاء، وتجنُّب الجفاء.
ويراعيها أيضًا بإكرام نُزُلِها، فإنّها ضيفٌ، والضّيف إن لم يُكْرَم نُزُلُه ارتحل.
ويراعيها أيضًا بضبطِها ملكةً، وشدِّ يديه عليها، وأن لا يسمح بها لقاطعٍ ولا نَاهبٍ.
ويراعيها أيضًا بالانقياد إلى حكمها، والإذعانِ لسلطانها إذا وافق الأمر.
ويراعيها أيضًا بستْرِها تظرُّفًا، وهو أن يسترها عن النّاس ما أمكنَه لئلّا يعلموا بها، ولا يُظهرها إلّا لحجّةٍ أو حاجةٍ أو مصلحةٍ راجحةٍ، فإنّ في إظهارها بدون ذلك آفاتٍ عديدةً، مع تعريضها للُّصوص والسُّرّاق والمُغِيرين.
وإظهار الحال للنّاس عند الصّادقين حمقٌ وعجزٌ، وهو من حظوظ النّفس والشّيطان. وأهل الصِّدق والعزم لها أستَرُ وأكتَمُ من أرباب الكنوز من الأموال لأموالهم، حتّى إنّ منهم من يُظهِر أضدادها نفيًا وجحدًا، وهم أصحاب الملامة، ولهم طريقةٌ معروفةٌ، وكان شيخ هذه الطّائفة أبو عبد الله (١) بن مَنازل.
(١) كذا في النسخ. والصواب: أبو محمد عبد الله بن منازل، شيخ الملامتية، صحب حمدونًا القصار، وكان عالمًا كتب الحديث الكثير. مات بنيسابور سنة تسع وعشرين ــ أو ثلاثين ــ وثلاث مئة. انظر: «الرسالة القشيرية» (ص ١٩٩)، و «طبقات الصوفية» للسلمي (ص ٣٦٦). و «منازل» على وزن مساجد، كما في «تاج العروس» (نزل).