للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكملُ من هؤلاء: من يَصحَبُه ذلك في حال حركاته ونوافله، فلا يُعطِّل ذرّةً من أوراده. والله سبحانه قد فاوتَ بين قوى القلوب أشدَّ من تفاوتِ قوى الأبدان، وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ. وصاحب هذا المقام آيةٌ من آيات الله لأولي الألباب والبصائر.

والمقصود أنّه لولا طمأنينته إلى لطف الله لَمحَقَه شهود الحضرة وأفناه جملةً، فقد خرَّ موسى صعقًا لمّا تجلّى ربُّه للجبل، وتدكدكَ الجبل وساخَ في الأرض من تجلِّيه سبحانه.

هذا، ولا يُتوهَّم أنّ الحاصل في الدُّنيا للبشر كذلك ولا قريبٌ منه أبدًا، وإنّما هي المعارف واستيلاءُ مقام الإحسان على القلب فقط.

وإيّاك وتُرَّهاتِ القوم وخيالاتِهم ورعوناتِهم، وإن سمّوك محجوبًا فقل: اللهمّ زِدْني من هذا الحجاب الذي ما وراءه إلّا الخيالات والتُّرّهات والشّطحات. فكليم الرّحمن واحد، ومع هذا لم تَتَجلَّ الذّاتُ له، وأَراه (١) ربُّه تعالى أنّه لا يثبت لتجلِّي ذاته، بما أشهدَه من حال الجبل، وخرَّ الكليمُ صَعِقًا مَغشيًّا عليه، لمّا رأى من حال الجبل عند تجلِّي ربِّه له، ولم يكن تجلِّيًا مطلقًا. قال الضّحّاك - رضي الله عنه -: أظهر الله من نور الحجب مثل منخرِ ثورٍ (٢). وقال عبد الله بن سلامٍ وكعب الأحبار - رضي الله عنهما -: ما تجلّى من عظمة الله للجبل إلّا مثلَ سمِّ الخياط حتّى صار دَكًّا. وقال السُّدِّيُّ - رحمه الله -: ما تجلّى إلّا قدر الخِنْصَر.


(١) ش، د: «راه». وفي هامش ش كما أثبتناه.
(٢) «تفسير البغوي» (٢/ ١٩٧). وفيه الأقوال الآتية.

<<  <  ج: ص:  >  >>