للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بذل النُّفوس، فتأخَّر البطَّالون، وقام المحبُّون ينظرون: أيُّهمُّ يصلح أن يكون ثمنًا؟ فدارت السِّلعةُ بينهم، ووقعتْ في يدِ {وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى} [المائدة: ٥٤].

لمّا كثر المدّعون للمحبّة طولبوا بإقامة البيِّنة على صحّة الدّعوى، فلو يُعطى النّاسُ بدعواهم لادّعى الخليُّ حُرقةَ الشّجيِّ. فتنوَّع المدَّعون في الشُّهود، فقيل: لا تثبت هذه الدّعوى إلّا ببيِّنةِ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١].

فتأخَّر الخلقُ كلُّهم، وثبت أتباعُ الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه. فطولبوا بعدالة البيِّنة بتزكيةِ {الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: ٥٤].

فتأخَّر أكثر المحبِّين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إنّ نفوس المحبِّين وأموالهم ليست لهم، فهَلُمُّوا إلى بيعةِ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: ١١١].

فلمّا عرفوا عظمةَ المشتري، وفضلَ الثّمن، وجلالةَ من جرى على يديه عقدُ التّبايع= عرفوا قدْرَ السِّلعة، وأنّ لها شأنًا. فرأوا من أعظم الغَبْن أن يبيعوها لغيره بثمنٍ بخسٍ، فعقدوا معه بيعةَ الرِّضوان بالتّراضي من غير ثبوت خيارٍ، وقالوا: والله لا نُقِيلك ولا نَستقيلك.

فلمّا تمّ العقد وسلَّموا المبيعَ، قيل لهم: مُذْ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفرَ ما كانت وأضعافها معًا. {وَلَا تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>