للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنابة والإخبات والخشية والتّذلُّل والخضوع إلّا له.

وهاهنا افترق النّاس، وصاروا فريقين: فريقًا مشركين في السّعير، وفريقًا موحِّدين في الجنّة. فافترقوا بصفة إلهيته (١)، فهي التي فرَّقتهم، كما أنّ الرُّبوبيّة هي التي جمعتهم.

فالدِّين والشّرع والأمر والنّهي: مظهره وقيامه من صفة الإلهيّة. والخلق والإيجاد والتّدبير والفعل من صفة الرُّبوبيّة. والجزاء بالثّواب والعقاب والجنّة والنّار من صفة المُلك. فهو ملك يوم الدِّين، فأمَرهم بإلهيَّته، وأعانهم ووفّقهم وهداهم وأضلّهم بربوبيّته، وأثابهم وعاقبهم بمُلكه وعدله. وكلُّ واحد من هذه الأمور لا ينفكُّ عن الآخَرَين.

وأمّا الرّحمة، فهي التّعلُّق والسَّبب الذي بين الله وبين عباده. فالتّألُّه منهم له، والرُّبوبيّة منه لهم، والرّحمة سببٌ واصلٌ بينه وبين عباده، بها أرسل إليهم رسلَه، وأنزل عليهم كتبَه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم. فبينهم وبينه سببُ العبوديّة، وبينه وبينهم (٢) سببُ الرّحمة.

واقترانُ ربوبيّته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته. فـ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] مطابقٌ لقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٢ - ٣]، فإنّ شمول الرُّبوبيّة وسعتها بحيث لا يخرج شيءٌ


(١) رسمها في الأصل: "الهيه". وهو أقرب إلى ما أثبته من ج. وفي م، ش، ع: "الإلهية".
(٢) ما عدا الأصل، ع: "وبينهم وبينه"، وكذا كان في الأصل ولكن وضعت على الكلمتين علامة التقديم والتأخير عند القراءة على المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>