إمّا أن يريد بالأجل الذي يَطوِيه: انقضاء مدّة سجن القلب والرُّوح في البدن، حتّى تَصِلَ إلى ربِّها وتَلْقاه، وهذا هو الظّاهر من كلامه.
وإمّا أن يريد به: عطشه إلى مقصود السُّلوك من وصوله إلى محبوبه وقُرّة عينه وجمعيّته عليه، فهو يَطوِي مراحلَ سيره حثيثًا ليصل إلى هذا المقصود، وحينئذٍ يعود له سيرٌ آخر وراء هذا السّير مع عدم مفارقته له، فإنّه إنّما وصل به، فلو فارقَه لانقطع انقطاعًا كلِّيًّا. ولكن يبقى له سيرٌ، وهو مستلقٍ على ظهره، يَسبِق به السُّعاةَ.
ويُرجِّح هذا المعنى الثّاني: أنّ المريد الصّادق لا يحبُّ الخروج من الدُّنيا حتّى يقضيَ نَحْبَه، لعلمه أنّه لا سبيل له إلى انقضائه في غير هذه الدّار، فإذا علم أنّه قد قضى نَحْبه أحبّ حينئذٍ الخروجَ منها. ولكن لا يقضي العبدُ نَحْبه حتّى يُوفِّي ما عليه.
والنّاس ثلاثةٌ: مُوفٍّ قد قضى نَحْبه، ومنتظرٌ للوفاء ساعٍ فيه حريصٌ عليه، ومُفرِّطٌ في وفاء ما عليه من الحقوق. والله المستعان.
قوله:(ويومٍ يُرِيه ما يُغنِيه)، أي يومٍ يرى فيه ما يُغنِي قلبَه ويَسُدُّ فاقتَه، من قُرّة عينه بمطلوبه ومراده.
وقوله:(ومنزلٍ يَستريحُ فيه)، أي منزلٍ من منازل السّير، ومقامٍ من مقامات الصّادقين، يستريح فيه قلبه، ويسكن فيه، ويخلُص من تلوُّنِ الأحوال عليه. فإنّ المقامات منازل، والأحوال مراحل، فصاحب الحال شديد العطش إلى مقامٍ يستقرُّ فيه ويَنزِله.