للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَقوى هذه الحال إذا انضاف إليها شهودُ العبد لخِسَّةِ قدْرِ نفسه، فاستصغرها أن تكون أهلًا لما أُهِّلتْ له، وكذلك شهودُ سَفَالِ منزلته أي انحطاط رتبته، وكذلك شهودُ تَفاهةِ قيمته أي خِسَّتها وقلَّتها.

وحاصل ذلك كلِّه: احتقاره لنفسه، واستعظامه للطفِ ربِّه به، وتأهيله له. فيتولَّدُ من بين هذين الهَيَمانُ المذكور, ولا ريبَ أنّه يتولَّد من بين هذين الشُّهودين أمورٌ أخرى أجلُّ وأعظمُ وأشرفُ من الهَيَمانِ ــ من محبّةٍ، وحمدٍ وشكرٍ، وعزمٍ وإخلاصٍ، ونصيحةٍ في العبوديّة، وسرورٍ وفرحٍ بربِّه، وأُنسٍ به ــ هي مطلوبةٌ لذاتها، بخلاف عارضِ الهَيَمان، فإنّه لا يُطلَب لذاته، وليس هو من منازل العبوديّة.

فصل

قال (١): (الدّرجة الثّانية: هَيَمانٌ في تلاطُمِ أمواجِ التّحقيق، عند ظهور براهينه، وتواصُلِ عجائبِه، ولوامعِ (٢) أنواره).

يريد: أنّ السّالك والمريد إذا لاحتْ له أنوارُ تحقيق العلم والمعرفة اهتدى بها إلى القصد، عن بصيرةٍ مستجدَّةٍ ويقظةٍ مستجدَّة، فاستنار بها قلبُه، وأشرقَ لها سِرُّه، فتلاطَمَتْ عليه أمواجُ التّحقيق عند ظهور البراهين، فهامَ قلبُه فيها. وهذا أمرٌ يعرِفه بالذّوق كلُّ طالبٍ لأمرٍ عظيمٍ انفتحتْ له الطُّرقُ والأبوابُ إلى تحصيله.

ويريد بتواصل عجائبه: تتابُعَ عجائب التّحقيق، وأنّ بعضها لا يَحجُبُ


(١) «المنازل» (ص ٧٨).
(٢) في «المنازل» (ولياح».

<<  <  ج: ص:  >  >>