للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحلاوة تارةً، كما قال: «ذاق طعْمَ الإيمان»، وقال: «ثلاثٌ مَن كُنّ فيه وجدَ بهنّ حلاوةَ الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما، ومن كان يُحبُّ المرءَ لا يُحبُّه إلّا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذَه الله منه، كما يكره أن يُلْقى في النّار» (١).

ولمّا نهاهم عن الوصال قالوا: إنّك تُواصِل، فقال: «إنِّي لستُ كهيئتكم، إنِّي أُطْعَم وأُسقى» (٢). وفي لفظٍ (٣): «إنِّي أظلُّ عند ربِّي يُطعِمني ويَسْقيني». وفي لفظٍ (٤): «إنّ لي مُطعِمًا يُطعِمني، وساقيًا يَسْقِيني».

وقد غَلُظ حجابُ من ظنَّ أنّ هذا طعامٌ وشرابٌ حسِّيٌّ للفم. ولو كان كما ظنّه هذا لما كان صائمًا، فضلًا عن أن يكون مواصلًا، ولَمَا صحّ جوابه بقوله: «إنِّي لستُ كهيئتكم» فأجاب بالفرق بينه وبينهم. ولو كان يأكل ويشرب (٥) بفِيه الكريم حسًّا لكان الجواب أن يقول: وأنا لستُ أواصل أيضًا، فلمّا أقرَّهم على قولهم «إنّك تُواصِل» عُلِم أنّه كان يمسك عن الطّعام والشّراب، ويكتفي بذلك الطّعام والشّراب العالي الرُّوحانيِّ، الذي يُغني عن الطّعام والشّراب المشترك الحسِّيِّ.

وهذا الذّوق هو الذي استدلّ به هرقلُ على صحّة النُّبوّة، حيث قال لأبي سفيان: فهل يرتدُّ أحدٌ منهم سَخْطةً لدينه؟ فقال: لا. قال: وكذلك الإيمان،


(١) رواه البخاري (١٦، ٢١)، ومسلم (٤٣) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(٢) رواه البخاري (١٩٢٢)، ومسلم (١١٠٢/ ٥) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٣) لمسلم (١١٠٤) من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٤) للبخاري (١٩٦٧) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٥) ش، د: «وشرب».

<<  <  ج: ص:  >  >>