للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ما لي وللدُّنيا؟ إنّما أنا كراكبٍ قالَ في ظلِّ شجرةٍ ثمّ راحَ وتركَها» (١). وقال: «ما الدُّنيا في الآخرة إلّا كما يُدخِلُ أحدُكم إصبعَه في اليَمِّ، فلينظُرْ بِمَ ترجع؟» (٢). فشَبَّه الدُّنيا في جنب الآخرة بما يَعْلَق على الإصبع من البلل حين تُغْمَس في البحر.

وقال عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -: لو أنّ الدُّنيا من أوّلها إلى آخرها أُوتِيَها رجلٌ ثمّ جاءه الموت: لكان بمنزلة من رأى في منامه ما يسرُّه، ثمّ استيقظ فإذا ليس في يديه شيءٌ (٣).

وقال مُطرِّف بن عبد الله أو غيره: نعيمُ الدُّنيا بحذافيرِه في جنْبِ نعيم الآخرة أقلُّ من ذرّةٍ في جنب جبال الدُّنيا (٤).

ومن حدَّق عينَ بصيرته في الدُّنيا والآخرة علمَ أنّ الأمر كذلك.

فكيف يليق بصحيح العقل والمعرفة أن يقطعه أملٌ من هذا الجزء الحقير عن نعيمٍ لا يزول ولا يضمحلُّ؟ فضلًا أن يقطعه عن طلبِ مَن نسبةُ هذا النّعيم الدّائم إلى نعيم معرفتِه ومحبّتِه والأنسِ به والفرحِ بقربه كنسبة نعيم الدُّنيا إلى نعيم الجنّة؟ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: ٧٢]. فيسيرٌ من رضوانه ــ ولا يقال له يسيرٌ ــ أكبرُ من الجنّات وما فيها.


(١) أخرجه أحمد (٣٧٠٩)، والترمذي (٢٣٧٧)، وابن ماجه (٤١٠٩) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. وصححه الترمذي والحاكم (٤/ ٣١٠).
(٢) أخرجه مسلم (٢٨٥٨) من حديث المستورد بن شداد - رضي الله عنه -.
(٣) لم أجده في المصادر التي رجعتُ إليها.
(٤) لم أجده فيما بين يديّ من المصادر.

<<  <  ج: ص:  >  >>