للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان غائبًا عن المشاهدة. فلمّا شاهد وجد نفسه لم يكن منقطعًا، بل لم يزل متّصلًا (١).

قال: وليس قولنا: «لم يزل متّصلًا» بسديدٍ، فإنّ الاتِّصال لا يصحُّ إلّا بين اثنين. فلا المحجوب منقطعًا، ولا المكاشف متّصلًا، وإنّما هي عباراتٌ للتّقريب والتّفهيم، وأنشد في ذلك (٢):

ما بالُ عَينِك لا يَقَرُّ قَرارُها ... وإلامَ ظلُّك لا يَنِيْ (٣) متنقِّلا

فلسوفَ تعلم أنّ سَيْرَك لم يكن ... إلّا إليكَ إذا بلغتَ المنزِلا

وبإزاء هؤلاء طائفةٌ غلُظَ حجابهم، وكَثُفَت أرواحهم عن هذا الشّأن، فزعموا: أنّ القرب والبعد والأنس ليس له حقيقةٌ تتعلّق بالخالق سبحانه، وإنّما ذلك القرب من داره وجنّته بالطّاعات، وأنسُ القلب بما وعد عليها من الثّواب، والبعد ضدُّ ذلك. لا أنَّ العبد يقرُب من ربِّه، ولا يبعُد عنه، ولا يأنس به. وصرّحوا بأنّه لا يُريده ولا يحبُّه، فلا يصحُّ تعلُّق الإرادة والمحبّة به. فسار هؤلاء مُغرِّبين، وسار أولئك مُشرِّقين، كما قيل (٤):

سارتْ مُشرِّقةً وسِرتُ مغرِّبًا ... شتّانَ بين مُشرِّقٍ ومغرِّب


(١) «لكنه ... متصلًا» ليست في ت.
(٢) تقدم البيتان (٢/ ٦٥٧).
(٣) ت: «لم يزل».
(٤) البيت بلا نسبة في «البصائر والذخائر» (٨/ ١٧٨)، و «الوافي بالوفيات» (٦/ ٦٤)، و «تاج العروس» (شرق). وأنشده المؤلف في «إغاثة اللهفان» (١/ ٣٧٣)، و «أعلام الموقعين» (٣/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>