للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصّبر يُحمَد في المواطنِ كلِّها ... إلّا عليكَ فإنّه لا يُحمَدُ

وقد تقدّم ذكر الأثر الإلهيِّ: «إنِّي لا أنظر إلى كلام الحكيم، وإنّما أنظر إلى هِمَّته».

فللّه همّةُ نفسٍ قطعت جميع الأكوان، وسارتْ فما ألقتْ عصا السّير إلّا بين يدي الرّحمن، فسجدت بين يديه سجدة الشُّكر على الوصول إليه. فلم تزل ساجدةً حتّى قيل لها: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٧ - ٢٨].

فسبحان من فاوتَ بين الخلق في هِمَمِهم، حتّى ترى بين الهمّتين أبعدَ ممّا بين المشرقين والمغربين، بل أبعدَ ممّا بين أسفل سافلين وأعلى علِّيِّين. وتلك مواهب العزيز الحكيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

قوله: (وذوق المسامرة طعْمَ العيان)، مرادهم بالمسامرة: مناجاة القلب ربَّه وإن سكت اللِّسان، فلشدَّة استيلاء ذكره، ومحبّته على قلب العبد، وحضوره بين يديه، وأنسه به، وقربه منه، يصير كأنّه يخاطبه ويسامره، ويعتذر إليه تارةً، ويتملَّقه تارةً، ويُثني عليه تارةً، حتّى يبقى القلب ناطقًا بقوله: أنت الله الذي لا إله إلّا أنت، من غير تكليفٍ له بذلك، بل يبقى هذا حالًا له ومقامًا. ولا تُنكِرْ (١) وصولَ القوم إلى هذا، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه» (٢)، فإذا بلغ في مقام الإحسان بحيث يكون كأنّه يرى الله


(١) ت: «ولا يُنكَر».
(٢) أخرجه البخاري (٥٠، ٤٧٧٧)، ومسلم (٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>