للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك ومنّته وفضله، وأنّه محضُ منَّتِه عليه، وأنّه به وحدَه ومنه وحده. فيغيب عن شهود حقيقة قوله: {بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ} [النحل: ٥٣]، وقوله: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤]، وقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: ١٠٧]، وقوله: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: ٨٦]، وقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٢١]، وأمثال ذلك.

فيُغيِّبه عن شهود ذلك، ويُحِيله على معرفته وكسبه (١) وطلبه، فيُحِيله على نفسه التي لها الفقر بالذّات، ويحجبه عن الحوالة على المليء الوفيِّ الذي له الغنى التّامُّ كلُّه بالذّات. فهذا من أعظم أسباب المكر، والله المستعان.

ولو بلغ العبد من الطّاعة ما بلغَ فلا ينبغي له أن يُفارقه هذا الحذر، وقد خافه خيارُ خلقه وصفوتُه من عباده. قال شعيبٌ - صلى الله عليه وسلم - وقد قال له قومه: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف: ٨٨ - ٨٩]. فردّ الأمر إلى مشيئة الله وعلمه، أدبًا مع الله، ومعرفةً بحقِّ الرُّبوبيّة، ووقوفًا مع حدِّ العبوديّة.


(١) ت: «حبه».

<<  <  ج: ص:  >  >>