فيُغيِّبه عن شهود ذلك، ويُحِيله على معرفته وكسبه (١) وطلبه، فيُحِيله على نفسه التي لها الفقر بالذّات، ويحجبه عن الحوالة على المليء الوفيِّ الذي له الغنى التّامُّ كلُّه بالذّات. فهذا من أعظم أسباب المكر، والله المستعان.
ولو بلغ العبد من الطّاعة ما بلغَ فلا ينبغي له أن يُفارقه هذا الحذر، وقد خافه خيارُ خلقه وصفوتُه من عباده. قال شعيبٌ - صلى الله عليه وسلم - وقد قال له قومه: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف: ٨٨ - ٨٩]. فردّ الأمر إلى مشيئة الله وعلمه، أدبًا مع الله، ومعرفةً بحقِّ الرُّبوبيّة، ووقوفًا مع حدِّ العبوديّة.