أحدهما: هي به خسيسةٌ. وهو وجه قيامها بالعبد وصدورها منه.
والثّاني: هي به شريفةٌ. وهو وجه كونها بالرّبِّ تعالى، أمرًا وتكوينًا وإعانةً. فالصّفاء يطويها من ذلك الوجه خاصّةً.
والمعنى الثّاني الذي يحتمله كلامه: أن يكون مراده أنّ الصّفاء يُشْهِدُه عينَ الأزل، وسَبْقَ الرّبِّ تعالى وأوّليّتَه لكلِّ شيءٍ، فينطوي في هذا المشهد أعمالُه التي عمِلَها، ويراها خسيسةً جدًّا بالنِّسبة إلى عين الأزل. فكأنّه قال: تنطوي أعمالُه، وتصير ــ بالنِّسبة إلى هذه العين ــ خسيسةً جدًّا لا تُذْكَر، بل تكون في عين الأزل هباءً منثورًا، لا حاصل له.
فإنّ الوقت الذي هو ظرف التّكليف متلاشٍ جدًّا بالنِّسبة إلى الأزل، وهو وقتٌ خسيسٌ حقيرٌ، حتّى كأنّه لا حاصلَ له، أو لا نسبةَ له إلى الأزل والأبد في مقدار الأعمال الواقعة فيه، وهي يسيرةٌ بالنِّسبة إلى مجموع ذلك الوقت، الذي هو يسيرٌ جدًّا بالنِّسبة إلى مجموع الزّمان، الذي هو يسيرٌ جدًّا بالنِّسبة إلى عينِ الأزل.
فهذا أقرب ما يُحمل عليه كلامه مع قلقه، وقد اعتراه فيه سوءُ تعبيرٍ. وكأنّه أطلق عليها الخسّة لقلّتها وخِفّتها بالنِّسبة إلى عَظمة المكلِّف بها سبحانه وما يستحقُّه. والله سبحانه أعلم.