للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

النّوع الثّاني من الخطاب المسموع: خطاب الهواتف من الجانِّ، فقد يكون المخاطِبُ جنِّيًّا مؤمنًا صالحًا، وقد يكون شيطانًا مُغْوِيًا. وهذا أيضًا نوعان:

أحدهما: أن يخاطبه خطابًا يسمعه بأذنه.

والثّاني: أن يلقي في قلبه عندما يُلِمُّ به. ومنه وعدُه وأمنيَّتُه حين يعِدُ الإنسيَّ ويمنِّيه، ويأمره وينهاه، كما قال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ} (١) [النساء: ١٢٠]. وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: ٢٦٨].

وللقلب من هذا الخطاب نصيبٌ، وللأذن أيضًا منه نصيبٌ، والعصمة منتفيةٌ إلّا عن الرُّسل ومجموع الأمّة.

فمن أين للمخاطَبِ أنَّ هذا الخطاب رحمانيٌّ أو ملكيٌّ؟ بأيِّ برهانٍ وبأيِّ دليلٍ؟ والشّيطانُ يقذف في النّفس وحيَه، ويُلقي في السَّمع خطابَه، فيقول المغرور المخدوع: قيل لي، وخُوطِبتُ. صدقتَ، لكنَّ الشّأن في القائل لك والمخاطِبِ! وقد قال عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - لغَيلان بن سَلَمة ــ وهو من الصّحابة ــ لمّا طلَّق نساءه، وقسَّم ماله بين بنيه: إنِّي لأظنُّ الشّيطان ــ فيما يَسترِقُ من السَّمْع ــ سمِعَ بموتك، فقذَفه في نفسك (٢).


(١) في ع زيادة: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}.
(٢) أخرجه أحمد (٤٦٣١) وابن حبان (٤١٥٦) من حديث معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. قال الحافظ في "نتائج الأفكار" بعد تخريجه: "هذا موقوف صحيح"، انظر: "الفتوحات الربانية" لابن علَّان (٤/ ٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>