للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممضٌّ على فوات جمعيّة القلب على الله ولذّتها (١) ونعيمها، فلو فُرِضت لذّات أهلُ الدُّنيا بأجْمَعِها حاصلةً لرجلٍ لم يكن لها نسبةٌ إلى لذّة جمعيّة القلب (٢) على الله، وفرحه به، وأُنْسِه بقربه، وشوقِه إلى لقائه. وهذا أمرٌ لا يصدِّق به إلّا من ذاقه. فإنّما يصدِّقك مَن أشرَقَ فيه ما أشرقَ فيك. ولله درُّ القائل (٣):

أيا صاحبي ما ترى نارَهم (٤) ... فقال: تُرينيَ ما لا أرى

سقاك الغرام ولم يسقني ... فأبصرتَ ما لم أكن مبْصِرَا

فلو لم يكن في التّفرُّق المذكور إلّا ألم الوحشة، ونكَد التّشتُّت، وغبار الشّعَث لكفى به عقوبةً، فكيف وأقلُّ عقوبته: أن يُبتلى بصحبة المنقطعين ومعاشرتهم وخدمتهم، فتصير أوقاته ــ التي هي مادَّة حياته ولا قيمة لها (٥) ــ مستغرقةً في قضاء حوائجهم، ونيل أغراضهم؟!

وهذه عقوبة قلبٍ ذاقَ حلاوةَ الإقبال على الله والجمعيّةِ عليه والأنسِ به، ثمّ آثر على ذلك سواه، ورضي بطريقة بني جنسه وما هم عليه. ومَن له أدنى حياةٍ في قلبه ونورٍ (٦) يستغيثُ قلبُه من وحشة هذا التّفرُّق، كما تستغيث


(١) ت، ر، ط: «ولذاتها».
(٢) ت، ط: «قلبه».
(٣) البيتان للشريف الرضي في «ديوانه»: (١/ ٥١٦). ولفظ البيت الثاني فيه:
دعاني الغرام ولم يدعه ... فأبصرتُ ما لم يكن مبصرا
(٤) في الديوان: «أترى»، ر: «آثارهم».
(٥) أي: هي أغلى من أن تكون لها قيمة.
(٦) ت، ر، ط زيادة: «فإنه».

<<  <  ج: ص:  >  >>