للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفكُّ (١) إلى الممات. وكلّما تقدّم (٢) منزلًا شاهد من رقِّ تكليفه ما لم يكن يشاهده (٣) قبل، فرِقُّ التّكليف أمرٌ لازمٌ للمكلّف ما بقي في هذا العالم.

والّذي يوجّه (٤) عليه كلامُه: أنّ السُّرور بالذّوق الذي أشار إليه يعتقُ العبدَ من رقِّ التّكليف، بحيث لا يعدُّه تكليفًا، بل تبقى الطّاعات غذاء لقلبه (٥)، وسرورًا له، وقرّة عينٍ في حقِّه، ونعيمًا لروحه. يلتذّ (٦) بها، ويتنعّم بملابستها أعظم ممّا يتنعّم بملابسة الطّعام والشّراب واللّذّات الجسمانيّة. فإنّ اللّذّات الرُّوحانيّة القلبيّة أقوى وأتمُّ من اللّذّات الجسمانيّة؛ فلا يجد في أوراد العبادة كلفةً، ولا يصير تكليفًا في حقِّه.

فإنّ ما يفعله المحبُّ الصّادق، ويأتي به من (٧) خدمة محبوبه: هو أسرُّ شيءٍ إليه، وألذُّه عنده، ولا يرى ذلك تكليفًا، لما في التّكليف من إلزام المكلّف بما فيه كُلفةٌ ومشقّةٌ عليه. والله سبحانه إنّما سمّى أوامره ونواهيه: وصيّةً، وعهدًا، وموعظةً، ورحمةً، ولم يطلق عليها اسم التّكليف إلّا في جانب النّفي كقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]. ووقوع الوسع بعد الاستثناء من التّكليف لا يوجب وقوع الاسم عليه مطلقًا. فهذا


(١) ر: «ينفك».
(٢) ت، ر، ط زيادة: «العبد».
(٣) ت، ر، ط: «شاهده من».
(٤) ت، ر، ط: «يتوجه».
(٥) ش، د: «القلب». والمثبت من ت، ر، وهو أنسب للسياق.
(٦) ت، ر، ط: «يتلذذ».
(٧) ت، ر، ط: «في».

<<  <  ج: ص:  >  >>