للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دام في هذا العالم، ولا يريدون محو هذا الرّسم (١)، وهم مختلفون فيما يعبّر بالرّسم عنه.

فطائفةٌ قالت: الرّسم ما سوى الحقِّ سبحانه، ومحوه هو: ذهاب الوقوف معه والنّظر إليه والرِّضا به والتّعلُّق به.

ومنهم من يريد بالرّسوم: الظّواهر والعلامات.

وهذا أقرب إلى وضع اللُّغة، فإنّ رسمَ الدّار هو الأثر الباقي منها يدلُّ عليها، ولهذا يسمُّون الفقهاءَ وأهلَ الأثر ونحوهم: علماءَ الرُّسوم؛ لأنّهم لم يَصِلوا إلى الحقائق، بل اشتغلوا عن معرفتها بالظّواهر والأدلّة.

فهذه الطّائفة التي أشار إليها لا رسم لهم يقفون عنده، بل قد اشتغلوا بالحقائق والمعاني عن الرُّسوم والظّواهر.

وللملحد (٢) هاهنا مجالٌ؛ إذ عنده أنّ العبادات والأوامر والأوراد كلّها رسومٌ، وأنّ العباد وقفوا على الرُّسوم، ووقفوا هُم (٣) على الحقائق.

ولعَمْر الله إنّها لرسومٌ إلهيّةٌ أتت على أيدي رسله، ورَسَم لهم أن لا يتعدّوها، ولا يقصِّروا عنها، فالرُّسل قعدوا على هذه الرُّسوم يدعون الخلقَ إليها، ويمنعونهم من تجاوزها، ليصلوا إلى حقائقها ومقاصدها، فعطّلت الملاحدةُ تلك الرُّسوم، وقالوا: إنّما المراد الحقائق، ففاتهم الرُّسوم


(١) د: «الرسوم».
(٢) يعني العفيف التلمساني في شرحه لـ «منازل السائرين» (ص ٤٧٤).
(٣) ش: «ووقفوهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>