للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالقرب الخاصِّ الذي ليس كقرب المحسوس من المحسوس، حتّى يشاهدَ رفعَ الحجاب بين روحه وقلبه وبين ربِّه، فإنّ حجابه هو نفسه، وقد رفع الله سبحانه عنه ذلك الحجاب بحوله وقوّته= أفضى (١) القلبُ والرُّوح حينئذٍ إلى الرّبِّ، فصار يعبده كأنّه يراه. فإذا تحقّق بذلك، وارتفع عنه حجاب النّفس، وانقشعَ عنه ضَبابها ودخانها، وكُشِطَتْ عنه سُحُبُها وغيومُها= فهناك يقال له (٢):

بَدا لكَ سِرٌّ طالَ عنك اكتتامُه ... ولاح صباحٌ كنتَ أنت ظَلامُه

فأنت حجابُ القلب عن سِرِّ غيبِه ... ولولاك لم يُطبَع عليه خِتامُه

فإن غبتَ عنه حلَّ فيه وطَنَّبَتْ ... على منكبِ الكشف المَصُونِ خِيامُه

وجاء حديثٌ لا يُمَلُّ سَماعُه ... شَهِيٌّ إلينا نثرُه ونِظامُه

إذا ذكرتْه النّفسُ زالَ عَناؤُها ... وزال عن القلب الكئيبِ قَتامُه

فلذلك قال الشيخ (٣): (وهي في هذا الباب بلوغُ ما وراء الحجاب وجودًا).

وقوله: (وجودًا) احترازٌ من بلوغه سماعًا وعلمًا، وكثيرًا ما يلتبس على العبد أحدهما بالآخر، فأين وجود الحقيقة من العلم بها ومعرفتها؟ كما تقدّم ذلك مرارًا، فتعلُّق العلم بالقلب شيءٌ، واتِّصافه بالمعلوم شيءٌ آخر.

فمن النّاس من يتعلّق به سماع ذلك دون فهمه، ومنهم من يتعلّق به فهمه


(١) جواب «إذا بلغ العبد ... ».
(٢) تقدمت الأبيات (٢/ ٥٢٥).
(٣) «المنازل» (ص ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>