للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلق شهودًا مَن قال: «لا أُحصِي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك» (١)، فلكمال معرفته بالأسماء والصِّفات استدلَّ بما عرفه منها، على أنّ الأمر فوق ما أحصاه وعلمه.

فمشهدُ الصِّفات: مشهد الرُّسل والأنبياء وورثتهم، وكلُّ من كان بها أعرفَ كان بالله أعلم، وكان مشهده بحسب ما عرف منها، وليس للعبد في الحقيقة مشاهدةٌ ولا مكاشفةٌ، لا للذّات ولا للصِّفات، أعني مشاهدة عيانٍ وكشف عيانٍ، وإنّما هو مزيد (٢) إيمانٍ وإيقانٍ.

ويجب التنبيه والتّنبُّه هاهنا على أمرٍ (٣)، وهو: أنّ المَشاهد نتائج العقائد، فمن كان معتقده ثابتًا في أمرٍ من الأمور، فإنّه إذا صفَتْ نفسه وارتاضت، وفارقت الشّهوات والرّذائل، وصارت روحانيّةً= تجلّى لها صورة معتقدها كما اعتقدتْه، وربّما قوي ذلك التّجلِّي حتّى يصير لها كالعيان، وليس به، فيقع الغلط من وجهين:

أحدهما: أنّ ذلك ثابتٌ في الخارج، وإنّما هو في الذِّهن، ولكن لمّا صفا وارتاضَ، وانجلتْ عنه ظلمات الطّبع، وغاب بمشهوده عن شهوده، واستولت عليه أحكام القلب بل أحكام الرُّوح= ظنّ أنَّ ما ظهر له في الخارج، ولا تأخذه في ذلك لومة لائمٍ، ولو جاءته كلُّ آيةٍ في السّماوات والأرض، وذلك عنده بمنزلة من عايَنَ الهلال ببصره جهرةً، فلو قال له أهل


(١) كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - الذي أخرجه مسلم (٤٨٦).
(٢) ت: «مشهد».
(٣) ت: «لأمر».

<<  <  ج: ص:  >  >>