للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجلس عليه، ومقعدُه الذي يتمكَّنُ فيه. فحرامٌ على قلبٍ متلوِّثٍ بالخبائث والأخلاق والصِّفات الذّميمة متعلِّقٍ بالمراداتِ السّافلة= أن يقوم به هذا الشّاهد أو يكون من أهله.

نَزِّهْ فؤادَك عن سِوانا وَائْتِنا ... فجَنابُنا حِلٌّ لكلِّ مُنزِّهِ

والصَّبرُ طِلَّسمٌ لكنزِ لقائنا ... مَن حَلَّ ذا الطِّلَّسمَ فازَ بكنزِهِ (١)

إذا طلعتْ شمسُ التّوحيد، وباشرت حرارتُها (٢) الأرواح، ونورُها البصائر= تجلَّتْ بها ظلمات النّفس والطّبع، وتحرّكت بها الروحُ في طلب من ليس كمثله شيءٌ، فسافر القلب في بيداء الأمر، ونزل منازلَ العبوديّة منزلًا منزلًا، فهو ينتقل من عبادةٍ إلى عبادةٍ، مقيمًا على معبودٍ واحدٍ، فلا تزال شواهد الصِّفات قائمةً بقلبه، تُوقِظه إذا رقد، وتُذَكِّره إذا غَفَل، وتَحْدُو به إذا سار، وتُقِيمه إذا قعد.

إن قام بقلبه شاهدٌ من الرُّبوبيّة والقيُّوميّة: رأى أنّ الأمر كلّه لله، ليس لأحدٍ معه من الأمر شيءٌ، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهْوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: ٢ - ٣]، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: ١٠٧]، {(٣٧) وَلَئِنْ


(١) أنشدهما المؤلف في «الفوائد» (ص ٤٢، ١١٢)، و «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٧٩). وتقدما في الكتاب (٢/ ٨٧) ضمن تسعة أبيات، ولعلها من نظم المؤلف.
(٢) د: «حرارها». ت: «جواذبها».

<<  <  ج: ص:  >  >>