للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ} [غافر: ١٥]. فبالوحي حياةُ الرُّوح، كما أنّ بالرُّوحِ حياة البدن، ولهذا من فقد هذا الرُّوح فقدَ الحياةَ النّافعة في الدُّنيا والآخرة، أمّا في الدُّنيا فحياته حياة البهائم، وله المعيشة الضَّنْك، وأمّا في الآخرة فله جهنّم لا يموت فيها ولا يحيا.

وقد جعل تعالى الحياةَ الطّيِّبة لأهل معرفته ومحبّته وعبادته، فقال تعالى: {يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا} [النحل: ٩٧]. وقد فُسِّرت الحياة الطّيِّبة بالقناعة والرِّضا والرِّزق الحسن وغير ذلك (١). والصّواب: أنّها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله، ومحبّته، والإنابة إليه، والتّوكُّل عليه، فإنّه لا حياةَ أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيمَ فوق نعيمه إلّا نعيم الجنّة، كما كان بعض العارفين (٢) يقول: إنّه لتمرُّ بي أوقاتٌ أقول فيها إن كان أهل الجنّة في مثل هذا إنّهم لفي عيشٍ طيِّبٍ. وقال غيره (٣): إنّه لَتَمرُّ بالقلب أوقاتٌ يَرقُص فيها طربًا.

وإذا كانت حياة القلب حياةً طيِّبةً تبعتْه حياة الجوارح، فإنّه مَلِكها، ولهذا جعل سبحانه المعيشةَ الضَّنْك لمن أعرض عن ذكره، وهي عكس الحياة الطّيِّبة.


(١) انظر: «زاد المسير» (٤/ ٤٨٨، ٤٨٩).
(٢) هو أبو سليمان المغربي، وقد سبق عزوه (٢/ ٨٨).
(٣) لم أجده، ولكن روي عن أبي سليمان الداراني ــ كما في «تاريخ دمشق» (٣٤/ ١٤٧) ــ أنه قال: «لَأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولربما رأيت القلب يضحك ضحكًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>