للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الافتخار نهايةً، فكأنّ نفس الاضطرار يقطع الخلق من قلبه، ونفس الافتقار يُعلِّق قلبه بربِّه.

والتّحقيق: أنّه واحدٌ ممتدٌّ، أوّله انقطاعٌ، وآخره اتِّصالٌ. وأمّا نفس الافتخار فهو نتيجة هذين النّفسين؛ لأنّهما إذا صحَّا للعبد حصل له من القربِ من ربِّه، والأنسِ به، والفرحِ به وبالخِلَع التي خلَعَها على قلبه وروحه، ما لا تقوم لبعضه ممالكُ الدُّنيا بحذافيرها. فحينئذٍ يتنفّس نفسًا آخر، يجد به من التّفريج والتّرويح والرّاحة والانشراح ما يُشبِهُه من بعض الوجوه شَبَهًا مما يتنفَّس من جُعِل في عنقه حبلٌ (١) ليُخْنَقَ به حتّى يموت، ثمّ كُشِف عنه وقد حبسَ نفسه، فتنفَّسَ تنفُّسَ من قد أعيدتْ عليه حياته، وتخلَّصَ من أسباب الموت.

فإن قلت: ما للعبد والافتخار؟ وأين العبوديّة من نفس الافتخار؟

قلت: لا يريد بذلك أنّ العبد يفتخر بذلك ويختال (٢) على بني جنسه، بل هو فرحٌ وسرورٌ لا يمكن دفعه عن نفسه بما فتح عليه به ربُّه، ومنحَه إيّاه، وخصَّه به. وأولى ما فرح به العبد فضل ربِّه عليه، والله تعالى يحبُّ الفرح بذلك؛ لأنّه من الشُّكر، ومن لا يفرح بنعمة المنعم لا يُعَدُّ شكورًا، فهو افتخارٌ بما هو محضُ منّةِ الله ونعمته على عبده، لا افتخار بما منَّ العبد، فهذا هو الذي ينافي العبوديّة لا ذاك.

وهاهنا سرٌّ لطيفٌ، وهو أنّ هذا النّفس يفخر على أنفاسه التي ليست كذلك، كما تفخر الحياة على الموت، والعلم على الجهل، والسّمع على


(١) «حبل» ليست في د.
(٢) ت: «يختال به».

<<  <  ج: ص:  >  >>