للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا هذا القول الثّالث المشتمل على جمع النّقيضين: إثباتِ الرَّبِّ مغايرًا (١) للعالم مع نفي مباينته للعالم، وإثباتِ خالقٍ قائمٍ بنفسه، لا في العالم ولا خارج العالم، ولا فوق العالم ولا تحته، ولا خلفه ولا أمامه، ولا يمينه ولا يساره (٢) = فقولٌ له خبيءٌ (٣)، والعقولُ لا تتصوَّره حتّى تصدِّق به. فإذا استحال في العقل تصوُّرُه، فاستحالةُ التّصديق به أظهر (٤). وهو منطبقٌ على العدم المحض والنّفي الصِّرف، وصدقُه عليه أظهر عند العقول والفطر من صدقِه على ربِّ العالمين.

فضَعْ هذا النّفيَ وهذه الألفاظَ الدّالّةَ عليه (٥) على العدم المستحيل، ثمَّ ضَعْها على الذّات القائمة بنفسها، التي لم تحِلَّ في العالم، ولا حَلَّ العالمُ فيها، ثمّ انظر أيُّ المعلومين أولى به؟ واستيقِظْ لنفسك، وقُمْ لله قومةَ مفكِّرٍ في نفسه في الخلوة في هذا الأمر، متجرِّدٍ عن المقالات وأربابها وعن الهوى والحميّة والعصبيّة، صادقٍ في طلب الهدى (٦) من الله تعالى؛ فاللهُ أكرَمُ من أن يخيِّب عبدًا هذا شأنه.


(١) ع: "ربٍّ مغايرٍ".
(٢) ع: "يسرته".
(٣) انظر مثله في "الصواعق" (١/ ٢٩٤). وقد ضبط في م: "خَبْئٌ". والخَبْءُ والخبيء والخبيئة: الشيء المستور. يعني نفي الذات.
(٤) ع: "أظهر وأظهر".
(٥) "عليه" ساقط من ش، م.
(٦) ع: "الهداية".

<<  <  ج: ص:  >  >>