للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ولكن حيرة مشاهدة نور العزَّة)، وهي دهشةٌ تعتري المُشاهِد لأمرٍ عظيمٍ جدًّا لا عهد له بمثله؛ بخلاف مقام الصحو، فإنَّه لقوَّته وثباته وتمكُّنه لا يعرض له ذلك.

وحاصل كلامه: أنَّ (١) من كان ناظرًا في عين الحقيقة لزمته الحيرة، وهي حيرة مشاهدة أنوار العزَّة، لا حيرةُ مَن ضلَّ عن طريق مقصوده، فإنَّ الشُّبهة هي اشتباه الطريق على السالك بحيث لا يدري أعلى حقٍّ هو أم باطلٍ؟ وقد تقدَّم (٢) بيان أنَّ مشاهدة نور الذات المقدَّسة في هذه الدار محالٌ، فلا نعيده.

قوله: (وما كان بالحقِّ لم يخلُ من صحَّةٍ، ولم يُخَف عليه نقيصةٌ، ولم تتعاوره علَّة)، هذا تقريرٌ منه لرفع مقام الصحو على مقام السُّكر، فإنَّه لمَّا كان بالله كان محفوظًا محروسًا من النفس والشيطان اللَّذَين هما مصدر كلِّ باطلٍ. وهذا الحفظ هو من معنى قوله: «فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها»، فأين الباطل هاهنا؟ ثمَّ قال: «فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي» (٣) تحقيقًا لحفظ سمعه وبصره وبطشه ومشيه.

وقوله: (ولم تتعاوره علَّة)، التعاور: الاختلاف، أي: لم تتخالف عليه العلل. والعلل: ملاحظة الأغيار، وطاعة القلب للسِّوى، وإجابته لداعيه.


(١) من ت، ر.
(٢) (٣/ ٥٠٣).
(٣) أخرج البخاري (٦٥٠٢) أوَّله من حديث أبي هريرة، وليس فيه: «فبي يسمع ... » إلخ، فهي زيادة لا تثبت، وقد سبق تخريجها (١/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>