للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (ثمَّ اتِّصال الشُّهود)، تقدَّم ذكر المشاهدة قريبًا (١)، وبيَّنَّا أنَّ المشاهدة هي تحقيق مقام الإحسان. فالاتِّصال الأوَّل: اتِّصال العلم والعمل، والثاني: اتِّصال الحال والمعرفة.

قوله: (ثمَّ اتِّصال الوجود)، الوجود: الظفر بحقيقة الشيء، ومعاذ الله أن يريد الشيخ أنَّ وجود العبد يتَّصل بوجود الربِّ، فيصير الكلُّ وجودًا واحدًا، كما يظنُّه الملحد (٢)، فإنَّ كفر النصارى جزءٌ يسير من هذا الكفر. وهو أيضًا كلامٌ لا معنى له، فإنَّ العبد ــ بل لا عبدَ في الحقيقة عندهم ــ لم يزل كذلك، ولو كان أفسق الخلق وأفجرهم، فنفس وجوده متَّصِلٌ بوجود ربِّه، بل هو عين وجوده، بل لا ربَّ عندهم ولا عبد!

وإنّما يريد الشَّيخ باتِّصال الوجود: أنَّ العبد يجد ربَّه بعد أن كان فاقدًا له، فهو بمنزلة من كان يطلب كنزًا ولا وصول له إليه، فظفر به بعد ذلك ووجده، واستغنى به غاية الغنى، فهذا اتِّصال الوجود، كما في الأثر: «اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كلَّ شيءٍ، وإن فُتُّك فاتك كلُّ شيءٍ» (٣).

وهذا الوجود من العبد لربِّه يتنوَّع بحسب حال العبد ومقامه، فالتائب الصادق في توبته إذا تاب إليه وجده غفورًا رحيمًا، والمتوكِّل إذا صدق في التوكُّل عليه وجده حسيبًا كافيًا، والداعي إذا صدق في الرغبة إليه وجده قريبًا مجيبًا، والمحبُّ إذا صدق في محبَّته وجده ودودًا حبيبًا، والملهوف إذا صدق


(١) (ص ٢٦٠).
(٢) أي: التلمساني في «شرحه» (ص ٥٤٩ - ٥٥٠).
(٣) سبق تخريجه (٣/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>