للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انفصاله ورؤيته له، وهو في هذه الدرجة انفصالٌ عن رؤية اتِّصاله، فيتجرَّد عن رؤية كونه متَّصلًا، فإنَّ هذه الرُّؤية علَّةٌ في الاتِّصال. بل حالُ (١) اتِّصاله: غيبتُه عن رؤية كونه متَّصلًا (٢) لكمال استغراقه بما هو فيه من حقيقة الاتِّصال. فحصل من الدرجتين انفصاله عن الانفصال والاتِّصال جميعًا.

فهاهنا جال المُلحد وصال، وفتح فاه ناطقًا بالإلحاد، وقال (٣): هذا يدلُّ على أنَّ الانفصال والاتِّصال لا حقيقة لهما في نفس الأمر بل في نظر الناظر، فلا حقيقة لهما في نفس الأمر لكن في وهم المكاشف، فأين الاتِّصال والانفصال في العين الواحدة؟ وإنَّما الوهم والخيال قد حكما على أكثر الخلق.

وقد أعاذ الله الشيخ من أن يُظنَّ به هذا الإلحاد، وإنَّما مراده ما ذكرناه. وقد كشف عن مراده بقوله: (وهو انفصالٌ عن شهود مزاحمة الاتِّصال عينَ السبق) أي: ينفصل عن شهود مزاحمته لاتِّصاله عينَ ما سبَقَ له في الأزل من الأوَّل الآخر سبحانه، فإنَّه إذا لاحظ السَّبْق وما تقرَّر فيه حيث لم يكن هو ولا شيء من الأشياء= لم يزاحم شهودُ اتِّصاله لشهود ما سبَقَ به الأزل، بل اضمحلَّ فعلُه وشهودُه ووجودُه في ذلك الوجود الأزليِّ بحيث كأنَّه لم يكن. فإذا نسَبَ فعله وصفاته ووجوده إلى ذلك الوجود اضمحلَّ وتلاشى، وصار كالظلِّ والخيال للشخص.


(١) ر: «كمال».
(٢) سقط من ش، ووضع علامة اللحق ولكن ليس في الهامش شيء.
(٣) انظر: «شرح التلمساني» (ص ٥٥٤، ٥٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>