واختار سبحانه لنفسه اسم «العلم» وما تصرَّف منه، فوصف نفسه بأنَّه عالمٌ، وعليمٌ، وعلَّامٌ، وعَلِم، ويَعلم، وأخبر أنَّ له علمًا، دون لفظ «المعرفة»؛ ومعلومٌ أنَّ الاسم الذي اختاره لنفسه أكملُ نوعِه المشارك له في معناه.
وإنَّما جاء لفظ المعرفة في القرآن في مؤمني أهل الكتاب خاصَّةً، كقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٨٢ - ٨٣]، وقوله:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة: ١٤٦].
وهذه الطائفة ترجِّح المعرفة على العلم جدًّا، وكثيرٌ منهم لا يرفع بالعلم رأسًا، ويعدُّه قاطعًا وحجابًا دون المعرفة (١). وأهلُ الاستقامة منهم أشدُّ الناس وصيَّةً للمريدين بالعلم، وعندهم أنَّه لا يكون وليٌّ لله كاملُ الولاية من غير أولي العلم أبدًا، فما اتَّخذ الله ولا يتَّخذ وليًّا جاهلًا؛ فالجهل رأس كلِّ بدعةٍ وضلالةٍ ونقص، والعلمُ أصل كلِّ خيرٍ وهدًى وكمال.