للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثة أركانٍ: مشاهدة القرب، والصُّعود عن العلم، ومطالعة الجمع، وهي معرفة خاصَّة الخاصَّة).

إنَّما كانت هذه المعرفة عنده أرفع ممَّا قبلها، لأنَّ ما قبلها معرفةٌ متعلِّقةٌ بالوسائط والشواهد الموصلةِ (١) إلى المطلوب، وهذه متعلِّقةٌ بعين المقصود فقط، طاويةٌ للوسائط والشواهد، والوسائط (٢) صاعدةٌ عنها إليه، وهي غالبةٌ على حال العارف وشهوده، قد استغرقت إدراكه لما هو فيه بحيث غاب عن معرفته بمعروفه، وعن ذكره بمذكوره، وعن وجوده بموجوده.

فقوله: (مستغرقةٌ في محض التعريف)، المعرفة صفة العبد وفعله، والتعريف فعل الربِّ وتوفيقه، فاستغرقت صفة العبد في فعل الربِّ وتعريفه نفسَه لعبده.

وقوله: (لا يوصل إليها بالاستدلال)، يريد أنَّ هذه المعرفة في الدرجة الثالثة لا يوصل إليها بسبب، فإنَّ الأسباب قد انطوت فيها، والوسائلَ قد انقطعت دونها، فلا يدلُّ عليها شاهدٌ غيرها، بل هي شاهدُ نفسِها (٣)، فشاهدها وجودها، ودليلها نفسها. ولا تعجَلْ بإنكار هذا، فالأمور الوجدانيَّة كذلك، دليلُها (٤) نفسُها، وشاهدها حقيقتها؛ فتصير هذه المعرفة للعارف كالأمور الوجدانيَّة (٥) كاللَّذَّة والفرح والحبِّ والخوف وغيرِها من الأمور


(١) ر: «متصلة»، خطأ.
(٢) ت، ر: «فالوسائط».
(٣) ت: «بعينها»، تصحيف.
(٤) ر: «ودليلها».
(٥) «كذلك ... كالأمور الوجدانية» ساقط من ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>