فالتلبيس وقع عليه، ولا نقول: وقع منه، ولكنّه صادقٌ لُبِّس عليه، ولعلّ متعصِّبًا له يقول: أنتم لا تفهمون كلامه! فنحن نُبيِّن مراده على وجهه إن شاء الله، ثمّ نتبع ذلك بما له وعليه.
فقوله:(أوّلها: تلبيس الحقِّ بالكون على أهل التّفرقة)، الحقُّ هاهنا المراد به الربُّ تعالى، والكون اسمٌ لكلِّ ما سواه، وأهل التفرقة ضدُّ أهل الجمع، وسيأتي معنى الجمع عنده بعد هذا إن شاء الله، فأهل التفرقة الذين لم يصلوا إلى مقام الجمع. وأهل التفرقة عنده لُبِّس عليهم الحقُّ بالباطل، فإنّهم لُبِّس عليهم الحقُّ بالكون وهو باطل، وكلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلٌ، وأهل التفرقة عنده هم الذين غلب عليهم النظر إلى الأسباب حتّى غفلوا عن المسبِّب، ووقفوا معها دونه. و «التلبيس» فعلٌ من أفعال الربِّ تعالى، وهو سبحانه يُضِلُّ من يشاء ويهدي من يشاء، ولذلك استدلَّ على هذا المعنى بالآية، وهي قوله:{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}[الأنعام: ٩] ليعرِّفك أنّ هذا الفعل لا يمتنع نسبته إلى الله كما لا يمتنع نسبة الإضلال إليه.
ووجه هذا التلبيس: أنّه سبحانه أضاف الأفعال الصادرة عن محض قدرته ومشيئته إلى أسبابٍ وأزمنةٍ وأمكنةٍ، فلبَّسَ الحقُّ سبحانه على أهل التفرقة حيث علَّق الكوائنَ ــ وهي الأفعال ــ بالأسباب، فنسَبَها أهل التفرقة إلى أسبابها، وعَمُوا عن رؤية الحقِّ سبحانه، ففي الحقيقة لا فعلَ إلَّا لله. وأهل التفرقة يجهلون ذلك، ويقولون: فعل فلانٌ، وفعل الماء، وفعل الهواء، وفعلت النار.
وكذلك تعليقه سبحانه المعارفَ بالوسائط، وهي الأدلَّة السمعيّة والعقليّة والفطريّة، وتعليقه المسموعات والمبصرات والملموسات بآلاتها