مبنى ذلك على أنّ العباد فاعلون حقيقةً، وأنّ أفعالهم منسوبةٌ إليهم على الحقيقة، وأنّ قُدَرهم وإراداتهم ودواعيهم مؤثِّرةٌ في أفعالهم، وأفعالهم واقعةٌ بحسب دواعيهم وإراداتهم، وعلى ذلك قامت الشّرائع والنُّبوّات، والثّواب والعقاب، والحدود والزّواجر، وفطرة الله التي فطر النّاس عليها والحيوان (١).
وسوّيتم بين ما فرّق الله بينه، فإنّ الله سبحانه ما سوّى بين حركة المختار وحركة من حُرِّك قسرًا بغير إرادةٍ منه أبدًا، ولا سوّى بين حركات الأشجار وحركات بني آدم، ولا جعل الله سبحانه أفعال عباده وطاعاتهم ومعاصيهم أفعالًا له، بل نسبها إليهم حقيقةً، وأخبر أنّه هو الذي جعلهم فاعلين، كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[السجدة: ٢٤]، وقال:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}[القصص: ٤١]. وقال سادات العارفين به:{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}[البقرة: ١٢٨]، وقال إبراهيم خليله:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}[إبراهيم: ٤٠]. فهو الذي جعل العبد كذلك، والعبد هو الذي صلّى وصام وأسلم، وهو الفاعل حقيقةً بجَعْلِ الله له فاعلًا، وهو السائر بتسيير الله له، كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ}[يونس: ٢٢]، فهذا فعلُه والسَّيرُ فعلهم، والإقامة فعلُه والقيام فعلهم، والإنطاق فعلُه والنُّطق فعلهم، فكيف تُجعل نسبة الأفعال إلى محالِّها القائمة بها وأسبابِها المظهرة لها تلبيسًا؟
ومعلومٌ أنّ طيَّ بساطِ الأسباب والعلل تعطيلٌ للأمر والنّهي والشرائع والحكم، وأمّا الوقوف مع الأسباب واعتقاد تأثيرها فلا يُعلَم من أتباع الرُّسل