الصِّفات وحقائق الأسماء وإن سُمِّي تجسيمًا، ونَدِين بإثبات علوِّ الله على عرشه فوق سماواته وإن سُمِّي تحيُّزًا وجهةً، ونَدين بإثبات وجهه الأعلى ويديه المبسوطتين وإن سُمِّي تركيبًا، وندين بحبِّ أصحاب رسوله جميعهم وموالاتهم وإن سُمِّي نَصْبًا، وندين بأنّه مكلِّمٌ متكلِّمٌ حقيقةً كلامًا يسمعه من خاطبه، وأنّه يُرى بالأبصار عيانًا حقيقةً يوم لقائه، وإن سُمِّي ذلك تشبيهًا.
ويا لله العجب! أليست الكوائن كلُّها متعلِّقةً بالأسباب؟ أوليس الرّبُّ تعالى كلَّ وقتٍ يسوق المقادير إلى المواقيت التي وقَّتها لها، ويظهرها بأسبابها التي سبَّبها لها، ويخُصُّها بمحالِّها من الأعيان والأمكنة والأزمنة التي عيّنها لها؟
أو ليس قد قدَّر المقادير، وسبَّب الأسباب التي تظهر بها، ووقَّتَ المواقيت التي تنتهي إليها، ونصَبَ العلل التي توجد لأجلها، وجعل للأسباب أسبابًا أخر تُعارضها وتدافعها؟ فهذه تقتضي آثارها، وهذه تمنعها اقتضاءها، وتطلب ضِدَّ ما تطلبه تلك.
أوليس قد رتّب الخلْقَ والأمر على ذلك، وجعله محلَّ الامتحان والابتلاء والعبوديّة؟ أوليس عمارة الدّارين ــ أعني الجنّة والنّار ــ بالأسباب والعلل والحكم؟ ولا حاجة بنا أن نقول: وهو خلق الأسباب ونصب العلل، فإنّ ذكر هذا من باب بيان الواضحات التي لا يجهلها إلّا أجهلُ خلق الله، وأقلُّهم نصيبًا من الإيمان والمعرفة.
أوليس القرآن من أوّله إلى آخره قد عُلِّقت أخبارُه وقصصُه عن الأنبياء وأممهم، وأوامره ونواهيه وزواجره، وثوابه وعقابه: بالأسباب والحكم والعلل؟ وعُلِّقت فيه المعارف بالوسائط، والقضايا بالحجج، والعقوبات