والمصنِّف - رحمه الله - من أثبت النّاس قدمًا في مقام الإيمان بالرُّسل وتعظيمهم وما جاؤوا به، ولكن لُبِّس عليه في ذلك ما لُبِّس على غيره، والله يغفر لنا وله، ويجمع بيننا وبينه في دار كرامته.
وقد صرّح بأنّ أهل التّمكين هم الأنبياء والأئمّة بعدهم، وجعل هذه الدّرجة من التّلبيس لهم، ثمّ فسَّرها بأنّها تلبيس ترحُّمٍ وتوسيعٍ على العالم، ومقصوده: أنّهم يأمرونهم بتعاطي الأسباب رحمةً لهم وتوسيعًا عليهم، مع علمهم بأنّها لا أثرَ لها في خلقٍ ولا رزقٍ، ولا ضرٍّ ولا نفعٍ، ولا عطاءٍ ولا منعٍ، بل الله وحده هو الخالق الرّازق، الضّارُّ النّافع، المعطي المانع، لكن لمّا علموا عجز النّاس عن إدراك ذلك والتّحقُّق به لبَّسوا عليهم وأمروهم بالأسباب رحمةً بهم وتوسيعًا عليهم.
فهذه الدرجة تتضمَّن الرُّجوع إلى الأسباب رحمةً وتوسيعًا، مع الانقطاع عن الالتفات إليها والوقوف معها تجريدًا وتوحيدًا.
وقوله:(لا إلى أنفسهم) يعني: أنَّ أمرهم بالأسباب إحسانٌ إليهم، وتوسيعٌ عليهم، لا لحظِّ الآمر وجرِّ النفع إلى نفسه، بل لقصد الإحسان إلى الخلق وحصول النفع لهم. وهذا قريبٌ، مع أنّ فيه ما فيه لمن تأمَّله، فإنّ من أمر غيره بمصلحته وقصد نفعه: فبنفسه بدأ، ولها نفعَ أولًا، ومصلحتَها حصَّلَ قبل مصلحة المأمور، والإحسانَ إلى نفسه قصدَ بإحسانه (١) إلى غيره، فإنّه عبدٌ فقيرٌ محتاجٌ، والله وحده هو الغنيُّ بذاته، الذي يُحسِن إلى خلقه لا لأجل معاوضةٍ منهم، وأمَّا المخلوق فإنَّه يريد العوض، لكن