للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشّواهد في العلم اللّدنِّيِّ الحاصل بلا سببٍ ولا استدلالٍ. هذا مضمون كلامه.

ونحن نقول: إنّ العلم الحاصل بالشّواهد والأدلّة هو العلم الحقيقيُّ. وأمّا ما يُدَّعى حصولُه بغير شاهدٍ ولا دليلٍ، فلا وثوق به، وليس بعلمٍ. نعم، قد يقوى العلم الحاصل بالشّواهد ويتزايد، بحيث يصير المعلومُ كالمشهود، والغائبُ كالمعايَن، وعلمُ اليقين كعين اليقين. فيكون الأمر شعورًا أوّلًا، ثمّ تجويزًا، ثمّ ظنًّا، ثمّ علمًا، ثمّ معرفةً، ثمّ علمَ يقينٍ (١)،ثمّ عينَ يقينٍ؛ وتضمحلُّ كلُّ مرتبةٍ في التي فوقها بحيث يصير الحكمُ لها دونها. فهذا حقٌّ.

وأمّا دعوى وقوع نوعٍ من العلم بغير سببٍ ولا استدلال، فليس بصحيحٍ، فإنّ الله سبحانه ربط التّعريفات بأسبابها، كما ربط الكائنات بأسبابها، ولا يحصل لبشرٍ علمٌ إلّا بدليلٍ يدلُّه عليه. وقد أيّد الله رسلَه بأنواع الأدلّة والبراهين التي دلَّتهم على أنّ ما جاءهم هو من عند الله، ودلَّت أممَهم على ذلك، وكان معهم أعظمُ الأدلّة والبراهين على أنّ ما جاءهم هو من عند الله، وكانت براهينُهم أدلّةً وشواهد لهم وللأمم. فالأدلَّةُ والشَّواهدُ التي كانت لهم ومعهم أعظَمُ الشّواهد والأدلّة، والله تعالى شهد بتصديقهم بما أقام عليه من الشّواهد. فكلُّ علمٍ (٢) لا يستند إلى دليلٍ فدعوى لا دليل عليها، وحكمٌ لا برهان عند قائله؛ وما كان كذلك لم يكن علمًا، فضلًا عن أن يكون لدُنِّيًّا.


(١) في ت، ر بعده: «ثم حقَّ يقين»، وهي زيادة مريبة إذ لا محلّ لها هنا. وانظر كلام المؤلف على مراتب اليقين في شرح منزلة اليقين (٣/ ١٨٠) وكتابه «التبيان» (ص ٢٨٤ - ٢٨٦).
(٢) ش، د: «وكل علم».

<<  <  ج: ص:  >  >>