قد التزم ابن القيم كما رأينا من أول هذا القسم (١/ ٣٧٩) إلى آخر الكتاب أن يتكلم على المنازل جميعًا على ترتيب الهروي، فبدا الكتاب في هذا القسم كأنه شرح لكتاب «منازل السائرين» للهروي، وإن كان المؤلف لم يصرح قط بأنه سيشرح الكتاب المذكور إلى آخره.
وهنا يبرز أمامنا سؤالان أولهما: هل كان ينوي ابن القيم مثل هذا التوسع في الكلام على المنازل؟ والآخر: هل كان ينوي شرح «منازل السائرين» للهروي من بداية الأمر؟
أما السؤال الأول، فإنه قال في مطلع فصل المنازل بعد ما ذكر تأليف الناس في المنازل واختلافهم في عددها وترتيبها (١/ ١٧٢): «وسأذكر فيها أمرًا مختصرًا جامعًا نافعًا إن شاء الله». وكلامه بعد ذلك في المنازل الثمانية بالإضافة إلى كلامه على الفناء جاء في نحو ٤٦٠ صفحة، والكلام على منزل التوبة وحده استأثر منها بنحو ٣٨٠ صفحة. ولا شك في كون كلامه كله نافعًا، ولكن هل كان مختصرًا جامعًا أيضًا كما أراد؟ وهذا إذا استثنينا شرحه لسائر المنازل وهي ٩٢ منزلًا في نحو ١٨٠٠ صفحة.
وأما أنه هل كان ينوي شرح «كتاب المنازل» بتمامه من بداية أمره؟ ففي الجواب عن هذا السؤال نذكر قوله:«فالأولى بنا: أن نذكر منازل العبودية الواردة في القرآن والسنة ونشير إلى معرفة حدودها ومراتبها، ونذكر لها ترتيبًا غير مستحق بل مستحسن بحسب ترتيب السير الحسي ليكون ذلك أقرب إلى تنزيل المعقول منزلة المشهود بالحس فيكون التصديق أتم ومعرفته أكمل وضبطه أسهل». وقد رأينا أن المنازل التي رتبها المؤلف بحسب الترتيب الحسي هي عشرة منازل فقط، أولها منزل اليقظة وآخرها منزل