للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحقُّ أنّ نهايةَ مقامات السّالكين تكميلُ مرتبة العبوديّة صِرْفًا، وهذا ممّا لا سبيل إليه لبني الطّبيعة، وإنّما خُصَّ بذلك الخليلان من بين سائر الخلق. أمّا إبراهيم الخليل ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ فإنَّ الله سبحانه شهد له بأنّه وفَّى. وأمَّا سيِّدُ ولد آدم ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ فإنّه كمَّل مرتبةَ العبوديّة، فاستحقَّ التَّقديمَ على سائر الخلائق، وكان صاحب الوسيلة والشّفاعة التي يتأخَّر عنها جميعُ الرُّسل، ويقول هو: «أنا لها» (١). ولهذا ذكره الله سبحانه بالعبوديّة في أعلى مقاماته وأشرف أحواله (٢)، كقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: ١]، وقوله: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: ١٩]، وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: ٢٣] (٣)، وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: ١]. ولهذا يقول المسيح حين يُرغَب إليه في الشّفاعة: اذهبوا إلى محمّدٍ، عبدٍ غفر الله له (٤) ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر (٥). فاستحقَّ تلك الرُّتبة العليا بتكميل عبوديّته لله، وبكمال مغفرة الله له.

فرجع الأمرُ إلى أنَّ غايةَ المقامات ونهايتَها: هو التَّوبةُ والعبوديَّةُ المحضةُ، لا جمعُ العين، ولا جمعُ الوجود، ولا تلاشي الاتِّصال.


(١) قطعة من حديث الشفاعة المتفق عليه، وقد تقدَّم.
(٢) وانظر: «طريق الهجرتين» (١/ ١٨) و «مفتاح دار السعادة» (١/ ١٠).
(٣) الآيتان من سورتي الجن والبقرة ساقطتان من د.
(٤) ش، د: «غُفر له».
(٥) من حديث الشفاعة المذكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>