للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملوك أو غيره ما يأمره به تكليفًا وأنِّي (١) إنّما أفعله بكُلْفةٍ، لم يعدَّه أحدٌ محبًّا له. ولهذا أنكر هؤلاء أو كثيرٌ منهم محبّةَ العبد لربِّه، وقالوا: إنّما يُحِبُّ ثوابَه وما يخلقه له من النَّعيم الذي يتمتَّع به، لا أنَّه يُحِبُّ ذاته؛ فجعلوا المحبّة لمخلوقه دونه. وحقيقةُ العبوديّة هي كمالُ المحبّة، فأنكروا حقيقةَ العبوديّة ولبَّها. وحقيقةُ الإلهيّة كونُه مألوهًا محبوبًا بغاية الحبِّ المقرونِ بغاية الخضوع والذُّلِّ والإجلال والتّعظيم، فأنكروا كونه محبوبًا، وذلك إنكارٌ لإلهيّته.

وشيخ هؤلاء هو الجعد بن درهم الذي ضحَّى به خالد بن عبد الله القَسْريُّ في يوم أضحًى، وقال: إنّه زعم أنّ الله لم يكلِّم موسى تكليمًا، ولم يتّخذ إبراهيمَ خليلًا (٢). وإنّما كان إنكارُه لكونه تعالى محبوبًا (٣)، لم ينكر حاجة إبراهيم إليه، التي هي الخُلَّة عند الجهميّة، التي يشترك فيها جميع الخلائق، فكلُّهم أخِلّاءُ الله عندهم.

وقد بيّنَّا فساد قولهم هذا، وإنكارَهم محبّةَ الله من أكثر من ثمانين وجهًا في كتابنا المسمّى بـ"قرّة عيون المحبِّين وروضة قلوب العارفين" (٤). وذكرنا


(١) كذا في الأصل وغيره، وفي طبعة الفقي: "وقال: إنِّي".
(٢) نقل المصنف هذا الخبر في "طريق الهجرتين" (١/ ٢٩٥) من "خلق أفعال العباد" للبخاري (ص ٢٩). وقد أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (٣/ ١٥٨) أيضًا. وأخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية" (ص ١٧، ١٧٦، ١٨٢) وغيرُه.
(٣) في ع بعده زيادة: "محبًّا".
(٤) سيأتي في منزلة المحبة (٣/ ٣٨٤) قوله: "وقد ذكرنا لذلك قريبًا من مائة طريق في كتابنا الكبير في المحبة"، وأحال على كتابه الكبير هذا في منزلة الرجاء (٢/ ٢٨٧) أيضًا. وسمَّاه في "طريق الهجرتين" (١/ ١٢٤): "المورد الصافي والظل الضافي".

<<  <  ج: ص:  >  >>