المؤلف بتفصيل درجات كل مقام، لتُعرف درجة العامة منه ثم درجة السالك ثم درجة المحقِّق. وقال: إن جميع هذه المقامات تجمعها رُتَبٌ ثلاث: أخذُ القاصد في السير، ودخوله في الغربة، وحصوله على المشاهدة الجاذبة إلى عين التوحيد. وقد اقتصر المؤلف فيه على كلامه دون كلام غيره من الصوفية، وعباراته في ذكر المقامات ودرجاتها موجزة محكمة، اختار فيها أسلوب المزاوجة والسجع والرمز والإشارة، فهي في حاجة إلى الشرح والبيان.
ولا شك أن مؤلِّفه إمام قدوة وحافظ كبير، دعا إلى اتباع السنة وردَّ على المتكلمين، وله في ذلك مؤلفات مثل «ذم الكلام وأهله» و «الفاروق في الصفات» و «الأربعين في التوحيد» وغيرها. وكان طودًا راسيًا في السنة لا يتزلزل ولا يلين، وقد امتُحِن مراتٍ وأوذِي ونُفي من بلده. وله من المناقب والفضائل والأخبار في هذا الباب ما هو مذكور في ترجمته. إلَّا أن كتابه «منازل السائرين» هذا قد انتقده بعض العلماء من أهل السنة، مثل الذهبي الذي يقول:«له نَفَسٌ عجيب لا يُشبِه نفَسَ أئمة السلف في كتابه منازل السائرين، ففيه أشياء مُطرِبة، وفيه أشياء مشكلة، ومن تأمله لاح له ما أشرتُ إليه. والسنة المحمدية صَلِفة، ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب والسنة»(١). ثم ذكر أن طائفة من صوفية الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في «منازل السائرين» وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم. ويعقِّب عليه بقوله: «كلّا، بل هو رجل أثريّ، لهِجٌ بإثبات نصوص الصفات، منافِرٌ للكلام وأهله جدًّا. وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناءِ