للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من سيِّده ما هو أهله، وما هو موجَبُ أسمائه الحسنى وصفاته العُلا. فكيف يكون فرحُ سيِّده به, وقد عاد إليه حبيبُه ووليُّه طوعًا واختيارًا، وراجَع ما يحبُّه سيِّده منه ويرضاه، وفتحَ طريقَ البرِّ والإحسان والجود، التي هي أحبُّ إلى سيِّده من طريق الغضب والانتقام والعقوبة؟

وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنّه حصل له إباقٌ (١) عن سيِّده، فرأى في بعض السِّكك بابًا قد فُتِح، وخرج منه صبيٌّ يستغيث ويبكي، وأمُّه خلفه تطرده حتّى خرج، فأغلقت البابَ في وجهه ودخلت. فذهب الصّبيُّ غيرَ بعيدٍ، ثمّ وقف مفكِّرًا، فلم يجد له مأوًى غير البيت الذي أُخرج (٢) منه، ولا من يؤويه غير والدته (٣)، فرجع مكسورَ القلب حزينًا، فوجد الباب مُرْتَجًا (٤)، فتوسَّده ووضع خدَّه على عتبة الباب ونام. فخرجت أمُّه، فلمّا رأته على تلك الحال لم تملك أن رمَتْ نفسَها عليه، والتزمته تقبِّله وتبكي، وتقول: يا ولدي، أين تذهب عنِّي؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك: لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبِلتُ عليه من الرَّحمة لك، والشّفقة عليك، وإرادةِ الخيرِ لك؟ ثمّ أخذَتْه ودخَلَتْ (٥).

فتأمَّلْ قولَ الأمِّ: لا تحملني بمعصيتك على خلاف ما جُبِلتُ عليه من


(١) ع: "شرود وأبق"، وأشير في هامشها إلى أن في نسخة: "وإباق".
(٢) ش: "خرج".
(٣) ج، م: "والديه".
(٤) أي مغلقًا.
(٥) انظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (٢/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>