للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفعالَ في نفسها حسنةٌ وقبيحةٌ، كما أنّها نافعةٌ وضارّةٌ، والفرقُ بينهما كالفرق بين المطعومات والمشمومات والمرئيّات، ولكن لا يُرتَّب (١) عليها ثوابٌ ولا عقابٌ إلّا في الأمر والنّهي. وقبل ورود الأمر والنّهي لا يكون قبيحُها مُوجِبًا للعقاب مع قبحه في نفسه بل هو في غاية القبح، واللهُ لا يعاقِب عليه إلّا بعد إرسال الرُّسل. فالسُّجودُ للأوثان والشَّيطان والكذبُ والزِّنى والظُّلمُ والفواحشُ كلُّها قبيحةٌ في ذاتها، والعقابُ عليها مشروطٌ بالشَّرع.

فالنُّفاة يقولون: ليست في ذاتها قبيحةً، وقبحُها والعقابُ عليها إنّما ينشأ بالشَّرع. والمعتزلةُ يقولون: قبحُها والعقابُ عليها ثابتان بالعقل. وكثيرٌ من الفقهاء من الطّوائف الأربعة يقولون: قبحُها ثابتٌ بالعقل، والعقابُ متوقِّفٌ على ورود الشَّرع. وهو الذي ذكره سعد بن عليٍّ الزَّنجانيُّ (٢) من الشَّافعيّة، وأبو الخطَّاب (٣) من الحنابلة. وذكره الحنفيَّةُ وحكوه عن أبي حنيفة نصًّا (٤)،


(١) ع، ج: "يترتب".
(٢) "الزنجاني" ساقط من ج. وفيها وفي ل: "سعيد"، تصحيف. وهو الحافظ العابد شيخ الحرم أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني له قصيدة رائية مشهورة في قواعد أهل السنة. توفي سنة ٤٧١. انظر: "سير أعلام النبلاء" (١٨/ ٣٨٥)، و"طبقات الشافعية" (٤/ ٣٨٣). والمسألة المذكورة في "شرحه لقصيدته". انظر: "منهاج السنة" (١/ ٤٥٠).
(٣) الكَلْوَذاني. انظر كتابه "التمهيد" (٤/ ٢٨٧)، و"درء التعارض" (٧/ ٤٥٧)، و"منهاج السنة" (١/ ١٤٤).
(٤) انظر: "تخريج الفروع على الأصول" للزَّنجاني (ص ٢٤٥) , و"درء التعارض" (٧/ ٤٥٧. ٩/ ٤٩)، و"الرَّدّ على المنطقيين" (ص ٤٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>