معروفًا، وما ينهى عنه تشهدُ قبحَه وكونَه منكرًا، وما يُحِلُّه تشهد كونَه طيِّبًا، وما يُحرِّمه تشهد كونَه خبيثًا. وهذه دعوة الرُّسل. وهي بخلاف دعوة المبطلين والكاذبين والسَّحَرة، فإنّهم يدعون إلى ما يوافق أهواءهم وأغراضهم من كلِّ قبيحٍ ومنكرٍ وبغيٍ وظلمٍ.
ولهذا قيل لبعض الأعراب ــ وقد أسلم لمّا عرف دعوته - صلى الله عليه وسلم - ــ: عن أيِّ شيءٍ أسلمت؟ وما رأيتَ منه ممّا دلَّكَ على أنّه رسول الله؟ قال: ما أمرَ بشيءٍ، فقال العقل: ليته نهى عنه! ولا نهى عن شيءٍ، فقال العقل: ليته أمر به! ولا أحلَّ شيئًا، فقال العقل: ليته حرَّمه! ولا حرَّم شيئًا، فقال العقل: ليته أباحه! (١). فانظر إلى هذا الأعرابيِّ، وصحّةِ عقله وفطرته، وقوّةِ إيمانه، واستدلاله على صحّة دعوته بمطابقة أمره لكلِّ ما هو حسنٌ في العقل، ومطابقة نهيه لما هو قبيحٌ في العقل. وكذلك مطابقة تحليله وتحريمه. ولو كان جهةُ الحسن والقبح والطِّيب والخبث مجرَّدَ تعلُّقِ الأمر والنَّهي والإباحة والتّحريم به لم يحسُن منه هذا الجواب، ولكان بمنزلة أن يقول: وجدته يأمر وينهى، ويُبيح ويحرِّم! وأيُّ دليلٍ في هذا؟
(١) يشير إلى ما خاطب به العلاءُ بن الحضرمي المنذرَ بن ساوى صاحبَ هجَر لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المنذر يدعوه إلى الإسلام. ومما قاله: " ... فهو هذا النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول: ليتَ ما أمَر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمَر به، أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه". انظر: "الروض الأنف" (٧/ ٥٢٠)، و"الجواب الصحيح" (١/ ٣٣٠). وذكره المؤلف في "المفتاح" (٢/ ٨٧٤) أيضًا.