للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثم الرِّدّة، كما ثبت في "الصَّحيح" (١) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "مَن أحسَنَ في الإسلام لم يُؤاخَذْ بما عمِل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أُخِذَ بالأوَّل والآخِر". فهذا حالُ من أسلم وأساء في إسلامه. ومعلومٌ أنَّ الرِّدَّة من أعظم الإساءة في الإسلام، فإذا أُخِذَ بعدها بما كان في حال كفره، ولم يُسْقِطه الإسلامُ المتخلِّلُ بينهما، فهكذا التّوبةُ المتخلِّلةُ بين الذَّنبين لا تُسقِط الإثمَ السَّابقَ، كما لا تمنع الإثمَ اللَّاحقَ.

قالوا: ولأنَّ صحَّةَ التَّوبة مشروطةٌ باستمرارها والموافاة عليها، والمعلَّقُ على الشَّرط (٢) عدَمٌ عند عدم الشّرط، كما أنَّ صحَّةَ الإسلام مشروطةٌ باستمراره والموافاة عليه.

قالوا: والتَّوبةُ واجبةٌ وجوبًا مضيَّقًا بزمن العمر (٣)، فوقتُها مدَّةُ العمر، إذ يجب عليه استصحابُ حكمها في مدَّة عمره. فهي بالنِّسبة إلى العمر كالإمساك عن المفطِّرات في صوم اليوم، فإذا أمسك معظمَ النَّهار، ثمّ نقَضَ إمساكَه بالمفطِّر بطَل ما تقدَّمه، ولم يُعتدَّ به، وكان بمنزلة من لم يمسك شيئًا من يومه.

قالوا: ويدلُّ على هذا الحديثُ الصَّحيحُ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ العبدَ لَيعملُ بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراعٌ، فيسبِقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعمل أهل النَّار فيدخلُها" (٤). وهذا أعمُّ من أن يكون هذا


(١) أخرجه البخاري (٦٩٢١)، ومسلم (١٢٠) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) ج، م، ش: "هذا الشرط"، وكذا كان في الأصل ثم طُمِس "هذا".
(٣) ج، م، ش، ع: "مدى العمر"، وكذا كان في ل، فعدِّل كما أثبت من الأصل.
(٤) أخرجه البخاري (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>