للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: قوله: "أَخْبِئوا عنه كبارَها". فهذا إشعارٌ بأنّه إذا رأى تبديلَ الصّغائر ذَكرَها وطمِعَ في تبديلها، فيكون تبديلُها أعظمَ موقعًا عنده (١)، وهو به أشدُّ فرحًا واغتباطًا.

والثّاني: ضَحِكُ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عند ذكر ذلك، وهذا الضَّحِكُ مُشْعِرٌ بالتّعجُّب ممّا يُفعَل به من الإحسان، وما يُقِرُّ به على نفسه من الذُّنوب من غير أن يقرَّر عليها ولا سُئل عنها، وإنّما عُرِضت عليه الصّغائر.

فتبارك الله ربُّ العالمين، وأجوَدُ الأجودين، وأكرَمُ الأكرمين، البرُّ اللَّطيفُ، المتودِّدُ إلى عباده بأنواع الإحسان وإيصالِه إليهم من كلِّ طريقٍ بكلِّ نوعٍ، لا إله إلّا هو الرَّحمن الرَّحيم (٢).

فصل

وكثيرٌ من النّاس إنّما يفسِّر التّوبةَ بالعزم على أن لا يعاود الذَّنبَ، وبالإقلاع عنه في الحال، وبالنَّدَم عليه في الماضي، وإن كان في حقِّ آدميٍّ فلا بدَّ من أمرٍ رابعٍ، وهو التّحلُّلُ منه.

وهذا الذي ذكروه بعضُ مسمَّى التّوبة بل شطرُها، وإلَّا فالتَّوبةُ في كلام الله ورسوله كما تتضمَّن ذلك، تتضمَّنُ العزمَ على فعل المأمور والتزامه. فلا يكون بمجرَّد الإقلاع والعزم والنّدم تائبًا، حتّى يوجدَ منه العزمُ الجازمُ على فعل المأمور والإتيان به. هذا حقيقة التّوبة، وهي اسمٌ لمجموع الأمرين، لكنَّها إذا قُرنت بفعل المأمور كانت عبارةً عمَّا ذكروه، فإذا أُفردت تضمَّنت


(١) في ع بعده زيادة: "من تبديل الصغائر".
(٢) بإزائه في هامش الأصل: "بلغ مقابلة وقراءة على مصنفه".

<<  <  ج: ص:  >  >>