للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدَّليلُ على أنَّ السَّيِّئات هي الصَّغائر، والتَّكفيرُ لها: قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: ٣١]. وفي "صحيح مسلمٍ" (١) من حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "الصّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّراتٌ لما بينهنّ إذا اجْتُنِبَت الكبائر".

ولفظُ "المغفرة" أكمل من لفظ "التّكفير"، ولهذا كان مع الكبائر، والتَّكفيرُ مع الصَّغائر؛ فإنَّ لفظَ "المغفرة" يتضمَّن الوقايةَ والحفظَ، ولفظَ "التَّكفير" يتضمَّن (٢) السَّترَ والإزالةَ، وعند الإفراد يدخل كلٌّ منهما في الآخر كما تقدَّم. فقوله تعالى: {كَفَّرَ عَنْهُمْ} [محمد: ٢] يتناول صغائرها وكبائرها، ومحوَها ووقايةَ شرِّها، بل التَّكفيرُ المفردُ يتناول أسوأَ الأعمال، كما قال: {(٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي} [الزمر: ٣٥].

وإذا فُهِمَ هذا فُهِمَ السِّرُّ في الوعد على المصائب والهموم والغموم والوَصَب والنَّصَب بالتَّكفير دون المغفرة، كقوله في الحديث الصَّحيح: "ما يصيب المؤمنَ من همٍّ ولا غمٍّ ولا أذًى ــ حتّى الشَّوكةِ يُشَاكُها ــ إلّا كفَّر الله بها من خطاياه" (٣)، فإنَّ المصائبَ لا تستقلُّ بمغفرة الذُّنوب، ولا تُغْفَر الذُّنوبُ جميعُها إلَّا بالتَّوبة، أو بحسناتٍ تتضاءل وتتلاشى فيها الذُّنوبُ، فهي كالبحر لا يتغيَّر بالجِيَف، وإذا بلغ الماءُ قلَّتين لم يحمل الخَبَث!


(١) برقم (٢٣٣).
(٢) ش: "ويتضمن التكفير".
(٣) أخرجه البخاري (٥٦٤١، ٥٦٤٢)، ومسلم (٢٥٧٣) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>