للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُّها كبائر، وليس فيها صغائر" (١)، فليس مراده أنّها مستويةٌ في الإثم، بحيث يكون إثمُ النَّظرة المحرَّمة كإثم الوطء الحرام، وإنّما المرادُ أنّها بالنِّسبة إلى عظمة من عُصِيَ بها كلُّها كبائر، ومع هذا فبعضُها أكبرُ من بعضٍ (٢). وعلى هذا فالأمر في ذلك لفظيٌّ لا يرجع إلى معنًى.

والَّذي جاء في لفظ الشَّارع: تسميةُ ذلك لَمَمًا ومحقَّراتٍ كما في الحديث: "إيّاكم ومحقَّراتِ الذُّنوب" (٣).

وقد قيل: إنَّ اللَّمَم المذكور في الآية من الكبائر. حكاه البغويُّ (٤) وغيره. قالوا: ومعنى الاستثناء أن يُلِمَّ بالكبيرة مرّةً، ثمَّ يتوب، ويقعَ فيها ثمَّ ينتهيَ عنها، لا يتَّخذُها دأبَه. وعلى هذا يكون استثناء اللَّمَم من الاجتناب إذ معناه: لا يصدر منهم ولا تقع منهم الكبائرُ إلّا لَمَمًا.

والجمهور على أنّه استثناءٌ من الكبائر، وهو منقطعٌ، أي لكن يقع منهم اللَّمَمُ. وحسَّنَ وقوعَ الانقطاع بعد الإيجاب ــ والغالبُ خلافُه: أنّه (٥) إنّما يقع حيث يقع التَّفريغُ ــ أنَّ (٦) في الإيجاب هنا معنى النَّفي صريحًا، فالمعنى:


(١) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (٢/ ٨٤) وإليه ذهب القشيري في "لطائف الإشارات" (٣/ ٤٨٧)، وعزاه القاضي عياض في "إكمال المعلم" (١/ ٣٥٥) إلى المحققين. وانظر: "فتح الباري" (١٠/ ٤٠٩).
(٢) انظر: "الإرشاد" للجويني (ص ٣٩١)، و"الداء والدواء" للمؤلف (ص ٢٩٣ - ٢٩٥).
(٣) تقدَّم تخريجه (ص ٣٥٠).
(٤) في "تفسيره" (٧/ ٤١١).
(٥) ش: "فإنه". و"خلافه" ساقط من ج ومضروب عليه في ل.
(٦) ع: "إذ". وزاد بعضهم واوًا صغيرةً قبل "أنَّ". وكلُّ ذلك خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>