للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثّاني: ما كان من مقدِّمات ذلك ومبادئه، كالنَّظر واللَّمس والحديث والقبلة، الّذي هو مقدِّمةُ الزِّنى، فهو من الصّغائر. فالصَّغائرُ من جنس المقدِّمات، والكبائرُ من جنس المقاصد والغايات.

وأمَّا من قال: "ما يستصغره العباد فهو كبائر، وما يستكبرونه فهو صغائر"، فإن أراد أنَّ الفرقَ راجعٌ إلى استكبارهم واستصغارهم، فهو باطلٌ، فإنَّ العبدَ يستصغر النَّظرةَ، ويستكبر الفاحشةَ. وإن أراد أنَّ استصغارَه للذَّنب يكبِّره عند الله، واستعظامَه له يصغِّره عند الله تعالى؛ فهذا صحيحٌ، فإنَّ العبدَ كلَّما صغُرَتْ ذنوبُه عنده كبُرَتْ عند الله، وكلَّما كبُرَتْ عنده صغُرَتْ ذنوبُه عند الله.

والحديثُ إنّما يدلُّ على هذا المعنى. وإنَّ (١) الصّحابة - رضي الله عنهم - ــ لعلوِّ مرتبتهم عند الله وكمالهم ــ كانوا يعدُّون تلك الأعمالَ مُوبقاتٍ، ومَن بعدهم ــ لنقصانِ مرتبتهم عنهم (٢) وتفاوتِ ما بينهم ــ صارت تلك الأعمالُ في أعينهم أدقَّ من الشَّعر.

وإذا أردتَ فهمَ هذا، فانظر: هل كان في الصَّحابة مَن إذا سمع نصَّ (٣) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عارضه بقياسه، أو ذوقه، أو وجده، أو عقله، أو سياسته؟ فهل كان أحدٌ منهم قطُّ (٤) يقدِّم على نصِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقلًا، أو قياسًا، أو ذوقًا،


(١) ج، ع: "فإنَّ".
(٢) من المصريتين. وفي سائر النسخ: "عندهم"، وفي هامش ش أن الظاهر: "عنده"، يعني: عند الله.
(٣) ج: "قضاء"، وكذا كان في الأصل ثم صُحِّح.
(٤) في ع "قطُّ" قبل "أحدٌ".

<<  <  ج: ص:  >  >>