للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد نفسَه بينه وبين ربِّه" (١).

فهذا جملة ما احتجَّ به (٢) أربابُ هذه المقالة، ولا حجّةَ لهم في شيءٍ منه.

أمَّا الآية، فإنَّ غايتَها التَّفريقُ بين الشِّرك وغيره، وأنَّ الشِّركَ لا يُغفر إلّا بالتَّوبة منه، وأمَّا ما دون الشِّرك، فهو مردودٌ (٣) إلى مشيئة الله (٤). وهذا يدلُّ على أنَّ المعاصيَ دون الشِّرك، وهذا حقٌّ. فإن أراد أربابُ هذا القول هذا، فلا نزاعَ فيه. وإن أرادوا أنَّ كلَّ ما دون الشِّرك فهو صغيرةٌ في نفسه، فباطلٌ.

فإن قيل: فإذا كان الشِّركُ وغيرُه ممّا تأتي عليه التَّوبةُ، فما وجهُ الفرق بين الشِّرك وما دونه؟ وهل هما في حقِّ التَّائب أم غير التَّائب؟ أم أحدُهما في حقِّ التَّائب والآخَرُ لغيره؟ وما الفرقُ بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣]؟

فالجواب: أنَّ كلَّ واحدةٍ من الآيتين لطائفةٍ. فآيةُ النِّساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] هي لغير التّائبين في القسمين.

والدَّليلُ عليه: أنَّه فرَّق بين الشِّرك وغيره في المغفرة، ومن المعلوم بالاضطرار


(١) سبق قريبًا (ص ٤٩٧).
(٢) "به" من ج، ش، ع.
(٣) ع: "موكول".
(٤) ش: "المشيئة".

<<  <  ج: ص:  >  >>